للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد كان يدعى بذلك في صغره لوقاره وصدق لهجته وهديه واجتناب القاذورات والأدناس. قال كعب بن مالك فيه صلى الله عليه وسلم:

أمينٌ محبٌّ في العباد مسوّم ... بخاتم ربٍّ قاهرٍ للخواتم

وسيأتي قول قريش عند إرادة بناء البيت [ (١) ] : هذا الأمين إن شاء الله.

روى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساء»

[ (٢) ] وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه حافظ الوحي قوي على الطاعة.

أو: المأمون. أي المؤتمن بفتح الميم، فعيل بمعنى مفعول من الائتمان وهو الاستحفاظ والوثوق بالأمانة، يقال: أمنه كسمعه وأمنه وائتمنه واستأمنه أي استحفظه ووثق بأمانته فهو أمين ومأمون، أي موثق به. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الله تعالى ائتمنه على وحيه وجعله واسطة بينه وبين خلقه وكساه من الأمانة التي هي ضد الخيانة حلّة وافرة وتوّجه بتاج الصدق المرصّع بدررها الفاخرة. والمراد في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الفرائض المفروضة. وقيل: النية القلبية لأن الله تعالى ائتمن العباد عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر التوحيد مثل ما أظهره فقد أدى الأمانة، ومن لا فلا. وقيل:

المراد بها العقل. وقيل: العدالة. وقيل غير ذلك

«الأميّ» :

قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وهو الذي لا يحسن الكتابة، كما في الحديث:

«إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب»

نسبة إلى الأمّ كأنه على الحالة التي ولدته أمّه. وكانت الأمية في حقه صلى الله عليه وسلم معجزةً وإن كانت في حق غيره ليست كذلك.

قال القاضي- رحمه الله-: لأن معجزته العظمى القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم مع ما منح صلى الله عليه وسلم وفضّل به من ذلك. ووجود مثل ذلك ممن لا يقرأ ولا يكتب ولا يدارس ولا لقّن مقتضى العجب ومنتهى العبر ومعجزة البشر، وليس فيه إذ ذاك نقيصة، إذ المطلوب من القراءة والكتابة المعروفة ليست المعارف والعلوم إلى آخر ما تقدم، وإنما هي آلة ووساطة موصّلة إليها غير مرادة في نفسها، فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغني عن الواسطة.

[تنبيه:]

قال القاضي- رحمه الله-: من وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمّية أو نحوها من اليتم وما جرى


[ (١) ] في أ: الكعبة.
[ (٢) ] أخرجه البخاري ٥/ ٣٢٦ كتاب المغازي (٤٣٥١) ، ومسلم ٢/ ٧٤٢ كتاب الزكاة (١٤٤- ١٠٦٤) .