للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السّيوف في القرب، وساق قوم الهدي فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لهلال ذي القعدة حتى نزل ذا الحليفة فصلى الظهر، ثم دعا بالبدن- وهي سبعون- فجلّلت، ثم أشعر منها عدّة وهي موجهات إلى القبلة في الشّق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب فأشعر ما بقي وقلّدهن نعلا نعلا، وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها، وكان معهم مائتا فرس، وبعث- صلى الله عليه وسلّم- بسر بن سفيان عينا له، وقدم عباد بن بشر طليعة في عشرين فارسا، ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي [ (١) ] .

ذكر إحرامه- صلى الله عليه وسلّم-

ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين، وركب من باب المسجد بذي الحليفة، فلما انبعثت به راحلته مستقبلة القبلة أحرم بالعمرة، ليأمن النّاس حربه، وليعلم الناس أنّه إنّما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظّما له.

ولفظ تلبية «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك» .

وأحرم غالب أصحابه، وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه، ومنهم من لم يحرم إلا «بالجحفة» وسلك طريق البيداء ومرّ فيما بين مكة والمدينة بالأعراب من بني بكر، ومزينة، وجهينة فاستنفرهم، فتشاغلوا بأموالهم، وقالوا فيما بينهم: يريد محمّد يغزو بنا إلى قوم معدّين في الكراع والسّلاح، وإنّما محمد، وأصحابه أكلة جزور، لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدا، قوم لا سلاح معهم ولا عدد.

ثم قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ناجية بن جندب بالهدي مع فتيان من أسلم، ومعهم هدي المسلمين، ولقى طائفة من بني نهد فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، وأهدوا له لبنا من نعمهم، فقال: «لا أقبل هديّة مشرك»

فابتاعه المسلمون منهم، وابتاعوا منهم ثلاثة أضبّ فأكل قوم أحلّة

وسأل المحرمون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «كلوا فكل صيد البرّ لكم حلال في الإحرام تأكلونه إلّا ما صدتم أو صيد لكم» .

وعطب من ناجية بن جندب بعير من الهدي، فجاء بالأبواء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبره، فقال: «انحره واصبغ قلائده في دمه، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منه، وخلّ بين النّاس وبينه» [ (٢) ] .

[ذكر حديث أبي قتادة والصعب بن جثامة وبعض من اهدى له]

روى الإمام مالك والستة عن أبي قتادة رضي الله عنه- قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلّم- أمامنا، والقوم محرمون وأنا غير محرم عام الحديبية، فأبصروا حمارا


[ (١) ] أخرجه البخاري ٧/ ٥٠٩ (٤١٥٧، ٤١٥٨) .
[ (٢) ] أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٨٧.