للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جسيما ثقيلا- أتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه، بمجمرة فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال: يا أبا عليّ استجمر: فإنما أنت من النّساء، فقال:

قبّحك الله وقبّح ما جئت به، ثم تجهّز وخرج مع الناس، وسبب تثبّطه ما سيأتي عند ذكر مقتله.

[ذكر تبدي إبليس لقريش في صورة سراقة بن مالك]

قال ابن إسحاق وغيره: ولمّا فرغوا من جهازهم، وأجمعوا المسير، وخرجوا على الصّعب والذّلول، معهم القيان والدّفوف، ذكروا ما كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الدّماء، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا، وكان ذلك يثنيهم فتبدّى لهم عدو الله إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني، وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فخرجوا سراعا في خمسين وتسعمائة مقاتل، وقيل: في ألف، ولم يتخلّف عنهم من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلّف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عديّ، فلم يخرج معهم منهم أحد، خرجوا من ديارهم كما قال الله تبارك وتعالى: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال ٤٧] .

قال ابن عقبة وابن عائذ: وأقبل المشركون، ومعهم إبليس يعدهم أنّ بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم، وأنّه لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ [الأنفال ٤٨] ، فلم يزل حتى أوردهم، ثم سلّمهم. وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه من أبيات:

سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا

دلّاهم بغرور ثمّ أسلمهم ... إنّ الخبيث لمن والاه غرّار

وقال: إنّي لكم جار فأوردهم ... شرّ الموارد فيه الخزي والعار

ثمّ التقينا فولّوا عن سراتهم ... من منجدين ومنهم فرقة غاروا

قال في الإمتاع: فلما نزلوا بمرّ الظّهران نحر أبو جهل جزورا فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها، ورأى ضمضم بن عمرو إن وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه، وكان مع المشركين مائتا فرس يقودونها وست مائة درع، ومعهم القيان يضربن بالدّفوف، ونحر لهم أول يوم خرجوا من مكة أبو جهل عشر جزائر، ثم نحر لهم أمية بن خلف بعسفان تسعا، ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشرا- وأسلم بعد ذلك- ومالوا من قديد إلى مياه نحو البحر، فظلوا فيها وأقاموا بها، فنحر لهم يومئذ عتبة بن ربيعة عشرا، ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم منبّه ونبيه ابنا الحجّاج عشرا، ثم أكلوا من أزوادهم فلما وصلوا إلى الجحفة عشاء نزلوا هناك.