للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك بالعلم مطلقا، ويجعل الله تعالى ذلك اللبن سببا في ترادف العلم وأشجان القلب النبوي بأنوارها. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون تسمية اللبن فطرة لكونه أوّل شيء يدخل بطن المولود ويشقّ أمعاءه، والسّرّ في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه مألوفا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة، وافهم قول جبريل «أصبت» ، فإن اختيار الخمر خطأ عصم منه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت المسألة حينئذ اجتهادية لأن الخمر لم تكن حرّمت بعد، فقد وقع تخييره في ملك الله الأعظم.

[التنبيه الخامس والعشرون:]

ظاهر قوله: «ثم أتي بالمعراج» أن العروج كان لا على البراق وفي ذلك خلاف، فظاهر حديث مالك بن صعصعة أنه استمر على البراق حتى عرج به إلى السماء، وهو مقتضى كلام ابن أبي جمرة وابن دحية. قال الحافظ: «لكن في غير هذه الرواية من الأخبار أن العروج لم يكن على البراق بل رقي في المعراج وهو السّلّم، ويؤيده قوله في حديث ثابت عن أنس كما في صحيح مسلم: «ثم أتيت بالمعراج» .

وقال الحافظ ابن كثير: «إنه لمّا فرغ صلى الله عليه وسلم من أمر بيت المقدس نصب له المعراج وهو السّلّم، فصعد فيه إلى السماء، ولم يكن الصعود على البراق كما قد توهّمه بعض الناس، بل كان البراق مربوطا على باب مسجد بيت المقدس ليرجع عليه إلى مكة» .

وقال الشيخ رحمه الله تعالى: «إنه الصحيح الذي تقرّر من الأحاديث الصحيحة» .

[التنبيه السادس والعشرون:]

نوّع ابن دحية المعراج إلى عشرة أنواع على عدد سني الهجرة، منها سبعة معاريج إلى السموات السبع، والمعراج الثامن إلى سدرة المنتهى والمعراج التاسع الذي سمع فيه صريف الأقلام في تصريف الأقدار، والمعراج العاشر إلى العرش والرّفرف والرؤية وسيأتي ما أبداه من الحكم في ذلك.

[التنبيه السابع والعشرون:]

ورد أن بين الدرجة والدرجة في الجنّة خمسمائة عام وأن الدرجة تهبط كالإبل ليصعد عليها ولي الله تعالى ثم ترفع به إلى مكانها والظاهر أن درج المعراج كذلك.

[التنبيه الثامن والعشرون:]

لا يتوهّم بما تسمعه في قصة المعراج من الصعود والهبوط أن بين العبد وربّه مسافة، فإن ذلك كفر، نعوذ بالله من ذلك، وإنما هذا الصعود والهبوط بالنسبة إلى العبد لا إلى الرّبّ، والنبي صلى الله عليه وسلم مع انتهائه ليلتئذ إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى، لم يجاوز مقام العبودية، وكان هو ونبيّ الله يونس بن متّى صلى الله عليه وسلم إذا التقمه الحوت وذهب به إلى البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر، في مباينة الله تعالى خلقه وعدم الجهة والتحيز والحدّ والإحاطة سواء. وقد ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة ذكره الإمام البغوي وغيره.

وإذا علمت ذلك فالمارد بترقّيه صلى الله عليه وسلم وقطع هذه المسافات إظهار مكانته عند أهل