للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السموات وأنه أفضل المخلوقات. ويقوّي هذا المراد بكونه أركبه البراق ونصب له المعراج وجعله إماما للنبيين والملائكة، مع أنه تعالى قادر على أن يرفعه بدون البراق والمعراج.

ويقال لأصحاب الجهة: إنما منعكم من اعتقاد الحق استبعادكم موجودا إلا في جهة، فأحلتم ذلك. فأخبرونا عن العرش والفوق هل ذلك قديم؟ أو محدث؟ فإن قالوا قديما جاهروا بقدم العالم وأدّى ذلك إلى محالين: أحدهما أن يكون مع الباري تعالى في الأزل غيره، والقديمان ليس أحدهما بأن يكون مكانا للثاني بأولى من الآخر. ثانيهما أن الجهة والمكان إما أن يكونا جسمين، وهذا يؤدّي إلى جواز وجود الأجساد كلها، وهو قول من قال بقدم العالم، نعوذ بالله من ذلك. وإن قالوا: محدث، قل فقد صدقتم بأن الرّبّ تعالى كان موجودا أولا ولا جهة، والمستحيل [لا] ينقلب جائزا أو واجبا لأن الحادث لا يحتاج إليه القديم، فإنه قبل كونه كان مستغنيا عنه، وهو على استغنائه عنه لم يزل وكذلك لا يزال، ومحال أن يكون خالق الكل مفتقرا إلى بعض مخلوقاته. وما ورد من الاستواء والنزول وغير ذلك من الصفات التي يشكل إجراؤها على ظاهرها، نؤمن به ونكل علم معناه إلى الله تعالى، ولا نشبهه تعالى بخلقه ولا ننفي الصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (١) ] .

[التنبيه التاسع والعشرون:]

نقل ابن دحية عن ابن حبيب، والحافظ عن ابن المنير عن ابن حبيب وأقرّه: أن بين السماء والأرض بحرا يسمى المكفوف تكون بحار الدنيا بالنسبة إليه كالقطرة من المحيط، فعلى هذا يكون ذلك البحر انفلق لنبينا صلّى الله عليه وسلم فهو أعظم من انفلاق البحر لموسى عليه الصلاة والسلام.

[التنبيه الثلاثون:]

في قدر ما بين السماء والأرض:

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتدرون كم بين السماء والأرض» ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «بينهما مسيرة خمسمائة سنة، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر من أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أو عال [ (٢) ] بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش وبين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض ثم الله تعالى فوق ذلك.

وروى إسحق بن راهويه والبزار بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين السماء والأرض خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام


[ (١) ] سقط في أ.
[ (٢) ] ثمانية أو عال: أي ملائكة على صورة الأوعال. انظر النّهاية لابن الأثير ٥/ ٢٠٧.