روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة، والإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد والشيخان عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد والترمذي وصححه عن أبي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنهم، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله وأتمّه إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يدخلون ويطوفون ويتعجبون له ويقولون: لولا موضع اللبنة. وفي لفظ: يقولون له:
هلا وضعت هذه اللبنة فيتمّ بنيانك، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة، جئت فختمت الأنبياء»
[ (١) ] .
قال الحافظ: أن قيل المشبّه به واحد والمشبّه جماعة، فكيف صح التشبيه؟
وجوابه: أنه جعل الأنبياء كلّهم كرجل واحد، لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل، وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان. ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيليّ، وهو أن يؤخذ وصف من أوصاف المشبّه ويشبّه بمثله من أحوال المشبّه به، فكأنه شبّه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسّست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت، فنبيّنا صلى الله عليه وسلّم بعث لتتميم مكارم الأخلاق، كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار.
وزعم ابن العربي إن اللبنة المشار إليها كانت في رأسّ الدار المذكورة، وأنها لولا وضعها لا نقضت تلك الدار. قال: وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى.
وهذا إن كان منقولا فحسن، وإلا فليس بلازم. نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها، وقد وقع في رواية همّام عند مسلم:«إلا موضع لبنة في زاوية من زواياها» فظهر أن المراد أنها مكمّلة محسّنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا، وليس كذلك فإن شريعة كلّ نبيّ بالنسبة إليه كاملة، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية، مع ما تقدم من الشرائع الكاملة.