للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأميّ أنه لا يأمر بخير إلا كان أوّل آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أوّل تارك له وأنّه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يفجر، ويفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي جمّلته هذه المحاسن، فتأمله لها على الإقرار بنبوّته.

وقال نفطويه في قوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [النور/ ٣٥] هذا مثل ضربة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول: يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة- رضي الله تعالى عنه-.

لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ ... لكان منظره ينبيك بالخبر

قال المحققون: المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتّحدّي الدّالّ على صدق الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الواقع على وفق دعوى المتحدّى بها مع أمن المعارضة وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها فعلم أن لها شروطا:

[أحدها:]

أن تكون خارقة للعادة كانشقاق القمر، وانفجار الماء من بين الأصابع، وقلب العصا حية، وإخراج ناقة من صخرة، فخرج غير الخارق للعادة كطلوع الشمس كل يوم.

[الثاني:]

أن تكون مقرونة بالتّحدّي، ولم يشترط بعضهم التحدي، قال: لأن أكثر الخوارق الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم خالية من التحدي، وعلى القول بالتحدي يسمى معجزة وذلك باطل، وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم لما ادّعى النبوة استجيب على هذا الخارق دعوى النبوة من حين ابتداء الدعوة فكلما وقع له من الخوارق كان معجزة لاقترانه بدعوى النبوة حكما وكأنه يقول في كل وقت أنا رسول الله إلى الخلق، وأنه يقول في كل وقت وقع فيه الخارق للعادة هذا دليل صدقي ذكره الشيخ كمال الدين بن الهمام في المسايرة وتلميذ الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في شرحهما.

[الثالث:]

أن لا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدّي مع أمن المعارضة، وهو أحسن من التعبير بعدم المعارضة، لأنه لا يلزم من عدم المعارضة امتناعها، والشرط إنما هو عدم إمكانها وخرج بقيد «التحدي» الخارق من غير تحدّ، وهو الكراهة للوليّ، وبالمقارنة الخارق المتقدم على التحدّي كإظلال الغمام وشق الصدر الواقعين لنبينا صلى الله عليه وسلم قبل دعوى الرسالة، وكلام عيسى صلى الله عليه وسلم في المهد، فإنها ليست معجزات وإنما هي كرامات ظهورها على الأولياء جائز، والأنبياء قبل نبوتهم لا يقتصرون عن درجة الأولياء فيجوز ظهورها عليهم أيضا، وحينئذ يسمى إرهاصا أي تأسيسا للنبوة، وخرج أيضا بالمقارن المتأخر عن التحدي بما يخرجه عن المقارنة العرفيّة، نحو ما رؤي بعد وفاته صلّى الله عليه وسلم من نطق بعض الموتى بالشهادتين، بما تواترت به الأخبار.