وسببها أن فلّ المشركين لمّا رجعوا إلى مكة موتورين محزونين حرّم أبو سفيان على نفسه الدّهن، ونذر ألّا يمسّ رأسه ماء من جنابة، حتى يثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمن أصيب من المشركين يوم بدر، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبرّ يمينه، فسلك النّجديّة حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: يتيب بالمدينة، على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النّضير تحت الليل، فأتى حيي بن اخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلّام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقرأه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجلاً من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها:
العريض، فحرّقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما. قال في الإمتاع: وهذا الأنصاريّ هو معبد بن عمرو. ورأى أبو سفيان أن يمينه قد حلّت وقيل: إن أبا سفيان فعل ذلك لمّا رجع في ليلته من عند سلّام بن مشكم، وانصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. في مائتين من المهاجرين والأنصار. وفي الإشارة ثمانين، وجمع بأن الرّكبان ثمانون وعامة الجيش مائتان، واستعمل على المدينة بشير- وهو بفتح الموحدة- ابن عبد المنذر حتى بلغ قرقرة الكدر وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخفّفون للهرب فيلقون جرب السّويق وهي عامة أزوادهم، فيأخذها المسلمون، فسمّيت غزوة السّويق ولم يلحقوهم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، وكان غاب خمسة أيام،
وقال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع بهم: يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة؟ قال: نعم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
السّويق- بالسين والصاد لغة-: قمح أو شعير يقلى ثم يطحن فيتزوّد ويستفّ تارة بما يثرى به أو بسمن أو بعسل وسمن.
الفلّ- بفاء مفتوحة فلام مشددة-: القوم المنهزمون.
موتورين- بالمثناة الفوقية بين الواوين- بنقص عددهم.
يثأر: يطلب ثأره، أي يطلب بدم من قتل من المشركين يوم بدر.