للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أبو نعيم: إن رجلا من آل المغيرة قال: لأقتلنّ محمدا، فأوثب فرسه في الخندق، فوقع، فاندقّت عنقه، فقالوا: يا محمد ادفعه إلينا نواريه، وندفع إليك ديته، فقال: «خذوه فإنه خبيث الدّية»

[ (١) ] .

وذكر ابن عقبة: أنّ المشركين لمّا بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزوميّ حين قتل، وعرضوا عليه الدّية، فقال: إنه خبيث الدّية، فلعنه الله ولعن ديته، فلا أرب لنا في ديته، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه.

وذكر أبو جعفر بن جرير: أنّ نوفلا لما تورّط في الخندق رماه الناس بالحجارة، فجعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه عليّ فقتله، وطلب المشركون رمّته، فمكّنهم من أخذه. وهذا غريب.

قال ابن سعد: ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعا حتى انصرفوا، إلا أنّهم لا يدعون الطلائع باللّيل يطمعون في الغارة.

[ذكر اتفاق المشركين على محاصرة المسلمين من جميع جوانب الخندق]

لما قتل الله عمرا، وانهزم من كان معه، اتّحد المشركون أن يغدوا جميعا، ولا يتخلف منهم أحد، فباتوا يعبّئون أصحابهم، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، قبل طلوع الشمس، وعبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وجمعهم على القتال ووعدهم النّصر إن ثبتوا. والمشركون قد جعلوا المسلمين في مثل الحصن من كتائبهم، فأحدقوا بكل وجه من الخندق ووجّهوا نحو خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فيها خالد بن الوليد فقاتلهم يومه ذلك إلى هوي من الليل، وما يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من مواضعهم، ولا قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء،

فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله ما صلّينا، فيقول صلى الله عليه وسلم: «والله ما صلّيت حتى كشفهم الله تعالى» ،

فرجعوا متفرّقين، ورجع كل فريق إلى منزله وأقام أسيد بن حضير على الخندق في مائتين [من المسلمين فهم] على شفير الخندق، فكرّت خيل المشركين، وعليها خالد بن الوليد يطلبون غرّة، فناوشهم ساعة، فزرق وحشي بن حرب الطّفيل بن النّعمان، وقيل: الطّفيل بن مالك بن النعمان الأنصاري بمزراقه فقتله، كما فعل بحمزة سيّد الشهداء بأحد.

[ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ رضي الله عنه]

روى ابن سعد، عن عاصم بن عمرو بن قتادة أن حبّان بن قيس بن العرقة رمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع أكحله، فلما أصابه، قال: خذها وأنا ابن العرقة. فقال له سعد- ويقال


[ (١) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٤/ ٤٢٣ وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (٣٠١٠٢) .