[الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام]
قال ابن إسحاق: وله من العمر خمس وعشرون سنة.
زاد غيره: لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة.
وروى ابن سعد وابن السكن وأبو نعيم عن نفيسة بنت منية [ (١) ] قالت: لما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير، قال له أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليست لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي الشام، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا تجد من ذلك بدا.
وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم الأموال مضاربة، وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا من قريش فليس عندهم بشيء فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فلعلها ترسل إلي في ذلك. فقال أبو طالب: إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمرا مدبرا. فافترقا.
وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك ما كان من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، فقالت: ما علمت أنه يريد هذا.
ثم أرسلت إليه فقالت: إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك.
ففعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال: إن هذا لرزق ساقه اللَّه إليك.
فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع غلامها ميسرة، وقالت خديجة لميسرة: لا تعص له أمرا ولا تخالف له رأيا.
فخرج هو وميسرة وعليه غمامة تظله وجعل عمومته يوصون به أهل العير.
فخرج حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له نسطورا. فاطلع الراهب إلى ميسرة- وكان يعرفه- فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل
[ (١) ] نفيسة بنت منية أخت يعلى ... تقدم نسبها في ترجمة أخيها قال: قال أبو عمر لها صحبة ورواية وقال ابن سعد أمها منية بنت جابر بن وهب أسلمت نفيسة بنت منية وهي التي مشت بين خديجة والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى تزوجها [الإصابة ٨/ ٢] .