للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في بيت المقدس، مع ورود الأحاديث الصحيحة عن جماعة من الصحابة بوقوع ذلك كما سيأتي.

[التنبيه الثالث عشر:]

أنكر حذيفة رضي الله عنه ربط البراق، فروى الإمام أحمد والترمذي عنه أنه لما قيل له: ربط البراق قال: أخاف أن يفرّ منه وقد سخّره له عالم الغيب والشهادة؟ قال البيهقي والسهيلي: والمثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت ربط البراق في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى، فهو أولى بالقبول. قال الإمام النووي: وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التّوكّل إذا كان الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. وقال السهيلي: وفي هذا من الفقه التنبيه على الأخذ بالحزم مع صحّة التوكل وأن الإيمان بالقدر كما روي عن وهب بن منبه لا يمنع الحزم من توقّي المهالك، قال وهب: وجدته في سبعين كتابا من كتب الله القديمة، وهذا نحو من

قوله صلى الله عليه وسلم:

«اعقلها وتوكّل» [ (١) ] .

فإيمانه صلى الله عليه وسلم بأنه قد سخّر له كإيمانه بقدر الله تعالى وعلمه بأنه قد سبق في أم الكتاب ما سبق، ومع ذلك كان يتزود في أسفاره، ويعدّ السلاح في حروبه، حتى لقد ظاهر بين درعين في غزوة أحد وربطه للبراق من هذا الفن.

[التنبيه الرابع عشر:]

في بعض فضائل بيت المقدس وفيه فوائد: الأولى: في مبدأ خلقه: روى أبو بكر الواسطي عن علي رضي الله عنه قال: كانت الأرض ماء، فبعث الله تعالى ريحا فمسحت الماء مسحا، فظهرت على الأرض زبدة فقسّمها أربع قطع، خلق من قطعة مكة ومن أخرى المدينة ومن أخرى بيت المقدس ومن أخرى الكوفة. وتقدم حديث أبي ذر في الباب الأول من أبواب بعض فضائل بلده المنيف فراجعه.

وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سليمان عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل ربّه خلالا ثلاثا فأعطاه إياها: سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيّما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد يعني بيت المقدس خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه» .

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد أعطاه ذلك» [ (٢) ] .

وروى ابن أبي شيبة والواسطي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «إن بيت المقدس لمقدّس في السموات السبع بمقداره في الأرض» وروى الواسطي عن عطاء


[ (١) ] أخرجه ابن حبان (٢٥٤٩) وأبو نعيم في الحلية ٨/ ٣٩٠ وذكره العجلوني في كشف الخفا ١/ ١٦١ وعزاه للترمذي عن أنس.
[ (٢) ] أخرجه النسائي في المساجد باب (٦) وأحمد في المسند ٢/ ١٧٦ وذكره السيوطي في الدر ٤/ ١٦٠.