للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كمحمد في المعنى، إلا أن الفرق بينهم أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة الخصال التي يحمد عليها وأحمد هو الذي يحمد أفضل ما يحمده غيره. فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصّفة وفي الكيفية يستحق من الحمد أكثر مما يستحقه غيره فحمده أكثر حمدٍ وأفضل حمدٍ حمده بشر، والاسمان واقعان على المفعول، وهذا أبلغ في مدحه صلى الله عليه وسلم وأكمل معنى. قال: وهو الراجح المختار ولو أريد به معنى الفاعل لسمّي الحمّاد أي كثير الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس حمداً لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى به الحمّاد كما سمّيت أمته صلى الله عليه وسلم بذلك. وأيضاً فإن هذين الاسمين إنما اشتقّا من أخلاقه وخصاله صلى الله عليه وسلم التي لأجلها استحق أن يسمّى محمداً وأحمد. وبسط الكلام على ذلك وتحقيق هذا المحل يطول به الكلام فليطلب من كتب النحو المطولة.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: سمّي النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد وأحمد لما اشتمل عليه من مسمّاهما وهو الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم محمود عند الله ومحمود عند الملائكة ومحمود عند الأنبياء، ومحمود عند أهل الأرض كلهم وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحوداً وعناداً [أو جهلا باتصافه بها] ولو علم اتصافه بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له.

وقال القاضي والسّهيلي وابن القيم رحمهم الله تعالى: واختصّ صلى الله عليه وسلم من مسمّى الحمد بما لم يجمع لغيره، فإن اسمه صلّى الله عليه وسلم: أحمد ومحمد، وأمته الحمادون يحمدون الله تعالى علي السراء والضراء، وصلاته وصلاتهم مفتتحة بالحمد. وخطبه مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وشرع له الحمد بعد الأكل والشرب، وبعد الدعاء. وبعد القدوم من السفر، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه عز وجل للشفاعة ويؤذن له فيها يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم أولهم وآخرهم إلى غير ذلك.

[تنبيه:]

قال القاضي رحمه الله تعالى: كان صلى الله عليه وسلم أحمد قبل أن يكون محمداً كما وقع في الوجود، لأن تسميته صلى الله عليه وسلم أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمداً وقعت في القرآن، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حمد ربه قبل أن يحمده الناس. وقال السّهيلي: لم يكن صلّى الله عليه وسلم محمداً حتى كان أحمد، حمد ربه فنبّأه وشرّفه، فلذلك تقدّم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى صلى الله عليهما وسلم فقال: «اسمه أحمد» وذكره موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له ربه: