[الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة]
وكان بناؤهم لها لأمور:
الأول: توهينها من الحريق الذي أصابها، وذلك أن امرأة جمرت الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت.
الثاني: أن السيل دخلها وصدع جدرانها بعد توهينها.
الثالث: أن نفرا سرقوا حلي الكعبة وغزالين من ذهب. وقيل غزال واحد مرصع بدر وجوهر وكان في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة فقطعت قريش يده. وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك.
فأرادوا أن يشدوا بنيانها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءوا، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم اسمه باقوم- بباء موحدة فقاف مضمومة- وكان بانيا فتحطمت، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها وكلموا الرومي باقوم فقدم معهم فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيف الكعبة.
قال الأموي: كانت هذه السفينة لقيصر ملك الروم تحمل له آلات البناء من الرخام والخشب والحديد، سرحها قيصر مع باقوم إلى الكنيسة التي أحرقها الفرس بالحبشة، فلما بلغت مرساها من جدة بعث اللَّه تعالى عليها ريحا فحطمتها.
قال ابن إسحاق: وكان بمكة رجل قبطي نجار، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية عظيمة تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها فتشرق على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون ذلك أنه لا يدنو منها أحد إلا اخزألت وكشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها.
وحكى السهيلي عن رزين أن سارقا دخل الكعبة في أيام جرهم ليسرق كنزها فانهار البئر عليه حتى جاءوا فأخرجوه وأخذوا ما كان أخذه. ثم سكنت البئر حية كرأس الجدي وبطنها أبيض وظهرها أسود. فأقامت فيه خمسمائة سنة، وهي التي ذكرها ابن إسحاق.
قال ابن عقبة: وزعموا أنها إذا أحاطت بالبيت كان رأسها عند ذنبها.
فبينا هي ذات يوم تشرق على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث اللَّه تعالى طائرا فاختطفها فذهب بها فقالت قريش عند ذلك: إنا لنرجو أن يكون اللَّه تعالى قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق وعندنا خشب، وقد كفانا اللَّه تعالى الحية.
فلما أجمعوا أمرهم في أمرها وبنيانها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ. قال ابن إسحاق:
ابن عبد بن عمران. وقال ابن هشام: عائذ بن عمران ثم اتفقا فقالا: ابن مخزوم. وهو خال أبي