رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان شريفا فتناول حجرا من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى مكانه فقال:
يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس.
وبعض الناس ينحل هذا الكلام إلى الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
ثم إن قريشا تجزأت الكعبة فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة. وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم. وكان ظهر الكعبة لبني جمح وبني سهم، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي ولبني عدي بن كعب، وهو الحطيم. فأمروا بالحجارة تجمع وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينقل معهم.
روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال: لما بنيت الكعبة ذهب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والعباس ينقلان الحجارة فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك يقيك الحجارة. ففعل وكان ذلك قبل أن يبعث فخر إلى الأرض فطمحت عيناه إلى السماء فقال: إزاري. فشده عليه. وفي رواية: فسقط مغشيا عليه فما رئي بعد عريانا
[ (١) ] .
وروى عبد الرزاق والطبراني والحاكم عن أبي الطفيل رضي اللَّه تعالى عنه قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر، وكانت قدر ما تقتحمها العناق، وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت فخرجت قريش لتأخذ خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارا، فقدموا به وبالخشب ليبنوا به البيت فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها، فبعث اللَّه تعالى طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو أجياد، فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي فرفعوها في السماء عشرين ذراعا، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته من صغرها فنودي: يا محمد خمر عورتك. فلم ير عريانا بعد ذلك.
قال ابن إسحاق: ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه. فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها. فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع. ويقال لم نرع، اللهم لا نريد إلا الخير. ثم هدم من ناحية الركنين، فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننتظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء هدمنا فقد رضي اللَّه تعالى ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته غاديا إلى عمله فهدم وهدم الناس حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى