للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الثالث والعشرون في قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي وكان واعية، قال: قدم رجل من إراش بإبل له فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها، فأقبل حتى وقف على نادي قريش ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش من رجل يعينني على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب وابن سبيل وقد غلبني على حقّي. فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل- لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من العداوة، اذهب إليه فهو يعينك عليه.

فأقبل الإراشيّ حتى وقف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقام معه فلما قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع. وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال محمد. فاخرج إليّ. فخرج إليه وما في وجهه من رائحة فقد انتقع لونه، فقال: أعط هذا حقّه. قال: نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له. فدخل ثم خرج إليه بحقه فدفعه إليه.

فأقبل الإراشيّ حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه اللَّه خيرا فقد واللَّه أخذ لي بحقي.

وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: رأيت عجبا من العجب! واللَّه ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال: أعط هذا حقّه. قال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقّه فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه.

ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء فقالوا: ويلك مالك؟ واللَّه ما رأينا مثل ما صنعته قط. قال:

ويحكم واللَّه ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي فسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت إليه وإنّ فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، واللَّه لو أبيت لأكلني.

[تفسير الغريب]

الإراشي هذا: اسمه كهلة الأصغر ابن عصام بن كهلة الأكبر ينسب إلى جد له اسمه إراشة.

قال الرشاطيّ: رأيته بخط عبد الغني بن سعيد بفتح الهمزة، وضبطه ابن الأثير بكسرها في جامعه.

من رائحة أي بقية روح قال السهيلي: فكأن معناه روح باقية.