الأول: قال القاضي: من علامة حبّه- صلى الله عليه وسلّم- إيثار حبّه، وإلّا كان مدّعيا، فالصّادق في حبّه عليه الصلاة والسلام من تظهر علامات ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واتّباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتّأدّب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران ٣١] وإيثار ما شرعه وحضّ عليه على هوى نفسه.
وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا بنيّ إن قدرت على أن تمسي وتصبح ليس في قلبك غشّ لأحد فافعل ثم قال لي: وذلك من سنّتي، ومن أحيا سنّتي فقد أحبني، ومن أحبّني كان معي في الجنّة» .
فمن اتّصف بهذه الصّفات فهو كامل المحبّة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبّة، ولا يخرج عن اسمها.
ومن علامة محبته- صلى الله عليه وسلّم- كثرة ذكره، فمن أحبّ شيئا أكثر ذكره.
ومنها كثرة الشّوق إلى لقائه- صلى الله عليه وسلّم- فكلّ حبيب يحبّ لقاء حبيبه، وقد قال أنس- رضي الله تعالى عنه-: وحين رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- يتتبّع الدّبّاء من حوالى القصعة: فما زلت أحبّ الدّبّاء من يومئذ. وقد أتى الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر إلى سلمى، خادمته ومولاة عمّته صفيّة، وسألوها أن تصنع لهما طعاما مما كان يعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكان ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- يلبس النّعال السّبتيّة، ويصبغ بالصّفرة إزاره، يفعل نحو ذلك.
ومن علامة حبّه بغض من أبغض الله ورسوله ومجانبة من خالف سنّته وابتدع في دينه واستثقاله كلّ أمر يخالف شريعته قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة ٢٢] وهؤلاء الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- قد قتلوا أحبّاءهم، وقاتلوا أبناءهم وآباءهم في مرضاته، روى البخاري عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ابن سلول قال: يا رسول الله لو شئت لأتيتك برأسه يعني: أباه.
الثاني: حقيقة المحبّة الميل إلى ما يوافق الإنسان إما باستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة، والأطعمة والأشربة اللّذيذة وأشباهها ممّا كلّ طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو استلذاذه بإدراك بحاسّة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السّير الجميلة والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشّغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ ذلك ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبّه إيّاه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه، فقد جبلت