وقال ابن عطية: روى عن ابن عمر أنه قال: المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمراد بقوله أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وهو مسجد قباء، وأن البنيان الذي أسس على شفا جرف هار فهو مسجد الضّرار بالإجماع.
قال ابن إسحاق، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد، ومعتّب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد، وعبّاد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر، وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية، ونفيل بن الحرث من بني ضبيعة، وبحزج بن عثمان من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت من بني أمية بن عبد المنذر.
وقال بعضهم: أن رجالا من بني عمرو بن عوف وكان أبو عامر المعروف بالراهب- وسماه النبي- صلى الله عليه وسلّم- بالفاسق- منهم، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مالك بن الدّخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عديّ وأخاه عاصم بن عدي- زاد البغوي: وعامر بن السكن ووحشي قاتل حمزة، زاد الذهبي في التجريد: سويد بن عباس الأنصاري- فقال:«انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فهدّموه وحرّقوه» فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف، فقال مالك لرفيقيه: أنظراني حتى أخرج إليكما، فدخل إلى أهله وأخذ سعفا من النخيل فأشعل فيه نارا، ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا المسجد بين المغرب والعشاء، وفيه أهله وحرقوه وهدموه حتى وضعوه بالأرض وتفرق عنه أصحابه، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة عرض على عاصم بن عدي المسجد يتخذه دارا، فقال عاصم يا رسول الله: ما كنت لأتخذ مسجدا- قد أنزل الله فيه ما أنزل- دارا، ولكن أعطه ثابت بن أقرم فإنه لا منزل له، فأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثابت بن أقرم. فلم يولد في ذلك البيت مولود قط. ولم ينعق فيه حمام قط ولم تحضن فيه دجاجة قط.
وروى ابن المنذر عن سعيد بن جبير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة، وابن المنذر عن ابن جريج- رحمهم الله تعالى- قالوا: ذكر لنا أنه حفر في مسجد الضّرار بقعة فأبصروا الدخان يخرج منها.
ذكر ملاقاة الذين تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-
قال ابن عقبة: لما دنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا عنه، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لأصحابه «لا تكلموا رجلا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم»