أن تقتل، وكانت في حصن الزّبير بن باطا فدلّت رحى من فوق الحصن، وكان المسلمون ربّما جلسوا تحت الحصن يستظلّون في فيئه، فأطلعت الرّحى فلمّا رآها القوم انفضّوا، وتدرك خلّاد بن سويد فتشدخ رأسه، فحذر المسلمون أهل الحصن، فلما كان اليوم الّذي أمر بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقتلوا فيه دخلت على عائشة- رضي الله عنها- فجعلت تضحك ظهرا لبطن، وهي تقول: سراة بني قريظة يقتلون إذ سمعت صوت قائل يا «نباتة» ، قالت أنا والله الّتي أدعى، قالت عائشة ولم؟ قالت: قتلني زوجي، وكانت جارية حلوة الكلام فقالت عائشة:
وكيف قتلك زوجك؟ قالت: في حصن الزّبير بن باطا فأمرني فدلّيت رحى على أصحاب محمد فشدخت رأس رجل منهم فمات، وأنا أقتل به، فانطلق بها، فأمر بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقتلت، بخلّاد بن سويد. فكانت عائشة تقول: لا أنسى طيب نفس نباتة، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنّها تقتل.
وروى أبو داود قصّتها مختصرة.
ذكر خبر ثابت بن قيس ومنّ الزّبير بن باطا
كان الزّبير بن باطا منّ على ثابت بن قيس بن شمّاس [ (١) ] يوم بعاث، فأتى ثابت الزّبير فقال: يا أبا عبد الرّحمن هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلك مثلي؟ قال ثابت: إنّ لك عندي يدا، وقدرت أن أجزيك بها، قال الزّبير: إنّ الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت إليك اليوم،
فأتى ثابت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إنه كان للزّبير عندي يد خير جزّ ناصيتي يوم بعاث، فقال: أذكر هذه النّعمة عندك، وقد أحببت أن أجزيه بها، فهبه لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هو لك» فأتاه ثابت فقال: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد وهبك لي، قال الزّبير: شيخ كبير لا أهل لي ولا مال بيثرب ما أصنع بالحياة؟ فأتى ثابت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: اعطني ماله وأهله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «هو لك» فرجع إلى الزّبير، فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أعطاني ولدك وأهلك ومالك،
فقال الزبير: يا ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الّذي عليك يا ثابت: ما فعل بالّذي كأن وجهه مرآة صينيّة تتراءى عذارى الحي في وجهه، كعب بن أسد؟ قال: قتل، قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة. قال: قتلوا، قال: يا ثابت: ما في العيش خير بعد هؤلاء، أرجع إلى دار قد كانوا حلولا فيها فأخلد فيها بعدهم؟ لا حاجة لي في ذلك، ولكن يا ثابت انظر إلى امرأتي
[ (١) ] ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي الخطيب من كبار الصحابة وصح في (م) أنه من أهل الجنة. انفرد له البخاري بحديث. وعنه ابنه إسماعيل ومحمد بن قيس وأنس شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم اليمامة ونفذت وصيته بعد موته بمنام رآه خالد بن الوليد. له عند (خ) حديث واحد. الخلاصة ١/ ١٥٠.