للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء/ ٤٥] ، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك هجاني فقال: ورب هذا البيت، ما هجاك، قال: فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها.

ووقع في «تنبيه» الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عدة مواضع موزونة. قال النووي: كان لا يحسن الشعر، ولكن يميز بين جيده ورديئه وقال الزركشي: ظاهر كلامهم أن هذا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأن غيره من الأنبياء ليس كذلك. قلت: وهو ظاهر لأن غيره من الأنبياء لم يؤتوا.

[تنبيهان:]

الأول: قال ابن فارس في فقه اللغة: الشعر كلام موزون مقفى، دال على معنى، ويكون أكثر من بيت، وإنما قلنا هذا، لأنه جائز اتفاقا سطر واحد، بوزن يشبه وزن الشعر من غير قصد، فقد قيل أن بعض الناس كتب في عنوان الكتاب: للأمير المسيب بن زهير بن عقال بن شيبة بن عقال، فاستوى هذا في الوزن الذي هو الخفيف، ولعل الكاتب لم يقصد به شعرا.

الثاني: فإن قيل: ما الحكمة في تنزيه الله تعالى نبيه عن الشعر؟ فالجواب: أو ما في ذلك حكم الله بأن الشعراء يتبعهم الغاوون. وأنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون فلم يكن ينبغي لرسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر بحال، لأن للشعر شرائط لا يسمى الإنسان بغيرها شاعرا، وذلك لو أن إنسانا عمل كلاما مستقيما موزونا، يتحرى فيه الصدق من غير أن يفرط أو يتعدى، أو يمني أو يأتي منه بأشياء لا يمكن كونها منه لما سماه الناس شاعرا، ولكان ما يقوله محمولا ساقطا.

وقال قال بعض العقلاء، وسئل عن الشعر فقال: إن هزل أضحك، وإن جد كذب، والشاعر بين كذب وإضحاك، وإذا كان كذلك فقد نزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخصلتين، وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعرا إلا مادحا غارقا أو هاجئا جبانا أقرع.

وهذه أوصاف لا تصلح لنبي، فإن قال قائل: فقد يكون من الشعر الحكمة كما

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة»

قيل له: إنما نزهه الله تعالى عن قليل الشعر وكثيره لما ذكرناه، فأما الحكمة فقد آتاه الله تعالى من ذلك القسم الأجزل، والنصيب الأوفر، في الكتاب والسنة، ومعنى آخر في تنزيهه عن قول الشعر: أن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنظم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع، والإيقاع ضرب من الملاهي، لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد

قال صلى الله عليه وسلم: «ما أنا من دد