للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثالث عشر في غزوة أحد]

والسبب في ذلك أنه لما قتل الله تعالى من قتل من كفار قريش يوم بدر، ورجع فلّهم إلى مكّة، ورجع أبو سفيان بعيرهم فأوقفها بدار النّدوة، وكذلك كانوا يصنعون، فلم يحرّكها ولا فرّقها، فطابت أنفس أشرافهم أن يجهّزوا منها جيشا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أميّة- وأسلموا بعد ذلك- في رجال ممّن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك.

قال البلاذريّ: ويقال: بل مشى أبو سفيان إلى هؤلاء الذين سمّوا، فباعوها، وكانت ألف بعير، وخمسين ألف دينار، فسلّموا إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون في تجاراتهم لكلّ دينار دينارا، فأخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار لأجل مسيرهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال ٣٦]- فأجمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزّبعرى- وهو بكسر الزّاي والموحّدة وسكون المهملة فراء فألف مقصورة- وأسلما بعد ذلك- وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع- بسين مهملة- ابن عبد مناف، وأبا عزّة- عمرو بن عبد الله الجمحيّ الذي منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر- إلى العرب يستنفرونها لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألّبوا العرب وجمعوها. ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب، لذهاب أكابرهم- وأسلم بعد ذلك- فأخذ يؤلّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجمع الجموع، فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس. وكتب العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك مع رجل من بني غفار، فقدم عليه وهو بقباء، فقرأه عليه أبي بن كعب، واستكتم أبيّا،

ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الرّبيع فأخبره بكتاب العباس، فقال: والله إني لأرجو أن يكون خيرا، فاستكتمه إياه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سعد أتته امرأته، فقالت: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنت وذاك، لا أم لك، قالت:

قد كنت أسمع عليكم، وأخبرت سعدا بما سمعت، فاسترجع وقال: أراك كنت تسمعين علينا، وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه فأخبره خبرها، وقال: يا رسول الله إن خفت أن يفشو