للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه، وفرحوا بذلك فرحا شديدا، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشّعب ومعه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصّمّة، ورهط من المسلمين.

[ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف عدو الله تعالى]

روى البيهقي عن سعيد بن المسيب، وأبو نعيم عن عروة: أن أبي بن خلف قال حين افتدى من الأسر ببدر: والله إن عندي العود- فرسا- أعلفها كلّ يوم فرقا من ذرة، ولأقتلنّ عليها محمدا،

فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «بل أنا أقتله إن شاء الله» .

انتهى. وقيل: إنه كان يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة،

فلما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

«إني أخشى أن يأتي أبي بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنوني به» ،

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في القتال وراءه، فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشّعب أدركه، وهو مقنّع في الحديد يركض على فرسه، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا. فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقتل مصعبا، فقال القوم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت صانعا حين يغشاك أبيّ فقد جاءك، فإن شئت يعطف عليه رجل منّا،

وفي رواية: فاعترض له رجال من المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه وخلّوا طريقه» ،

فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يا كذاب، أين تفرّ؟» فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصّمّة، ويقال: من الزبير بن العوام، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض بها انتفاضة تطاير عنه أصحابه تطاير الشّعراء من ظهر البعير إذا انتفض بها، ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدّ الجدّ، ثم استقبله بها فطعنه في عنقه- وفي لفظ: في ترقوته من فرجة سابغة البيضة والدّرع- طعنة تدأدأ منها مرارا عن فرسه، وجعل يخور كما يخور الثّور، وفي لفظ: فخدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم، وفي لفظ: أنه كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قومه، فقال: قتلني والله محمد! فقالوا: ذهب والله فؤادك، والله إن بك بأس، وما أجزعك، إنما هو خدش، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضرّه. فيقول: لا واللّات والعزّى، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز- وفي لفظ: بربيعة ومضر- لماتوا أجمعون، أنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك، فو الله لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدوّ الله بسرف وهم قافلون.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «اشتد غضب الله عز وجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسحقا لأصحاب السّعير» .

وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مات أبي بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير بعد هويّ