يكون إخبارا عن أحواله على التعميم، أي كان أبدا موحّدا لله. وهو الصحيح.
ابن القيم: نفى الله سبحانه وتعالى عن رسوله الضلال المنافي للهدى والغيّ المنافي للرشد، ففي ضمن هذا النفي الشهادة له بأنه على الهدى والرشد، فالهدى في علمه والرشد في عمله، وهذان الأصلان هما غاية كمال العبد، وهما سعادته وصلاحه، وبهما وصف النبي صلى الله عليه وسلم خلفاءه، فقال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي [ (١) ] .
«فالرّاشد ضد الغاوي، والمهدي ضد الضال وهو الذي زكت نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وهو صاحب الهدى ودين الحق، لا يشتبه الراشد المهدي بالضالّ الغاوي، إلا على أجهل الخلق وأعماهم قلبا وأبعدهم من حقيقة الإنسانية، ورحم الله القائل:
وما انتفاع أخي الدّنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظّلم
والناس أربعة أقسام: الأول: ضالّ في علمه، غاو في قصده وعمله، وهؤلاء سواد الخلق، وهم مخالفو الرسل. الثاني: مهتد في علمه غاو في قصده وعمله، وهؤلاء هم الأمة العصيّة ومن تشبّه بهم، وهو حال كل من عرف الحقّ ولم يعمل به. الثالث: ضال في علمه ولكن قصده الخير وهو لا يشعر، الرابع: مهتد في علمه راشد في قصده وهم ورثة الأنبياء، وهم وإن كانوا الأقلّين عددا فهم الأكثرون عند الله قدرا، وهم صفوة الله تعالى من خلقه.
وتأمّل كيف قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ، ولم يقل: محمدا، تأكيدا لإقامة الحجة عليهم بأنه صاحبهم، وهم أعلم الخلق به وبحاله وأقواله وأعماله، وأنهم لا يعرفونه بكذب ولا غيّ ولا ضلال، ولا ينقمون عليه أمرا واحدا قط. وقد نبّه تعالى على ذلك بقوله: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ [المؤمنين: ٦٩] ، وبقوله: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير: ٢٢] .
السابع: في الكلام على قوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى: [النجم: ٣] .
قال [تعالى] أولا: «ما ضلّ» و «وما غوى» ، بصيغة الماضي، وعبّر هنا بصيغة المستقبل، وهو ترتيب في غاية الحسن، أي ما ضلّ حين اعتزلكم وما تعبدون حين اختلى بنفسه. وما ينطق عن الهوى الآن حيث أرسل إليكم وجعل شاهدا عليكم، فلم يكن أولا ضالا ولا غاويا، وصار الآن منقذا من الضلالة ومرشدا وهاديا، والله سبحانه وتعالى يصون من يريد إرساله في صغره عن الكفر والمعايب، فقال تعالى: ما ضَلَّ في صغره لأنه لا ينطق عن الهوى.
[ (١) ] أخرجه أبو داود ٤/ ٢٠١ (٤٦٠٧) والترمذي [٢٦٧٦] وابن ماجة (٤٢) وأحمد في المسند ٤/ ١٢٦ والطبراني في الكبير ١٨/ ٢٤٦ والبيهقي في السنن ١٠/ ١١٤ وابن عبد البر في التمهيد ٨/ ٦٦.