انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ إلي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ
[التوبة ٩٥، ٩٦] .
قال كعب: وكنا قد تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرنا حتى قضى الله سبحانه وتعالى فيه بذلك قال الله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة ١١٨] وليس الذي ذكر الله مما خلّفنا عن الغزو وإنما تحليفه إيّانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه.
وروى ابن عساكر عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لما نزلت توبتي قبّلت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-.
[ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر]
روى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. والبيهقي عن سعيد بن المسيّب رحمه الله- في قوله تعالى:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [التوبة ١٠٢] قال ابن عباس كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك منهم: أبو لبابة، وسمى قتادة منهم: جد بن قيس وجذام بن أوس. رواه ابن أبي حاتم.
فلما قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من هؤلاء الموثقون أنفسهم» قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فترضى عنهم وتعذرهم، وقد اعترفوا بذنوبهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين»
[ (١) ] فلما بلغهم ذلك قالوا:
ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا، فأنزل الله تبارك وتعالى:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة ١٠٢] وعسى من الله واجب، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة ٣٧] فلما نزلت أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم فأطلقهم وعذرهم.
قال ابن المسيب: فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي لبابة ليطلقه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاءه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأطلقه بيده، فجاءوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أمرت أن آخذ أموالكم»
فأنزل الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة ١٠٣]
[ (١) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٥/ ٢٧٢.