رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب وقال: «قاتل بهذا يا عكّاشة» .
فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزّه فعاد سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في أيام الرّدّة، قتله طلحة بن خويلد الأسديّ.
وروى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن الحريش- بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبالشين المعجمة- يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين نخل ابن طاب فقال: اضرب به، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيدة
[ (١) ] .
ذكر بركة أثر ريقه ويده صلى الله عليه وسلّم
روى البيهقي عن ابن إسحاق قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب- يعني بن عديّ- يوم بدر، فمال شقّه، فتفل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمه وردّه فانطبق.
وروى البيهقي عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا» ، فدعا به فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
وروى أيضا عن رفاعة بن رافع بن مالك قال: لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي، فما آذاني منها شيء.
قال ابن إسحاق: ووضع المسلمون أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش في نفر من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرّة العدوّ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهة لما يصنع الناس،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لكأنيّ بك يا سعد تكره ما يصنع القوم» .
قال: أجل يا رسول الله، كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشّرك، فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال.
[ذكر انهزام المشركين]
قال ابن سعد: ورجعت قريش إلى مكة منهزمين، ورئي رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثرهم مصلتا بالسيف، يتلو هذه الآية سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر ٤٥] .
[ (١) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/ ٣٧٠.