يكون من باب تسمية الشيء بما قاربه، فإن كان على الحقيقة فتكون هذه الأنهار تنبع من أصل الشجرة نفسها فتكون الشجرة طعمها نبق وأصلها ينبع منه الماء، والقدرة لا تعجز عن هذا. وإن كان من باب تسمية الشيء بما قاربه فتكون الأنهار تنبع قريبا من أصل الشجرة» .
[التنبيه التاسع والخمسون:]
في
قوله: «أما الباطنان فنهران في الجنة» ،
دليل على أن الباطن أجلّ من الظاهر، لأنه لما كان الباطنان أصلا جعلا في دار البقاء، ولما كان الظاهران أقلّ أخرجا إلى دار الفناء، ومن ثم كان الاعتماد على ما في الباطن، كما
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» .
[التنبيه الستون:]
في حديث أبي سعيد: «فإذا فيها- أي السماء السابعة- عين تجري يقال لها السلسبيل فينشق منها نهران أحدهما نهر الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة. «ويمكن أن يفسّر بهما النهران الباطنان المذكوران في الحديث، وكذا روي عن مقاتل، قال: «الباطنان السلسبيل والكوثر» .
[التنبيه الحادي والستون:]
قال النووي في هذا الحديث: أن أصل النيل والفرات من الجنة وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث شاء الله تعالى ثم ينزلان إلى الأرض ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها. وهذا لا يمنعه العقل وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد» .
[التنبيه الثاني والستون:]
استدل بهذا الحديث على فضيلة ماء النيل والفرات لكون منبعهما من الجنة.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة» [ (١) ] .
قال العلماء: والمراد به أن في الأرض أربعة أنهار أصلها من الجنة وحينئذ لم يثبت لسيحان وجيحان أنهما ينبعان من أصل سدرة المنتهى، فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك، وأما الباطنان المذكوران في الحديث فهما غير سيحان وجيحان. قال القرطبي: «لعل ترك ذكرهما في حديث الإسراء لكونهما ليسا أصلا برأسهما وإنما يحتمل أن يتفرّعا من النيل والفرات» .
[التنبيه الثالث والستون:]
قيل: إنما أطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة. قال القرطبي: والأولى أنها من أنهار الجنة. وقال غيره: صورة انصبابها كانصباب المطر متفرقا ثم يجتمع في مواقعها في الأرض إلى أن ينساق كل منها إلى مستقره ومجراه. ويحتمل أن يكون انصبابها في نواحي الأرض
[ (١) ] أخرجه مسلم في كتاب الجنة (٢٦) وأحمد في المسند ٢/ ٢٨٩ والبغوي في التفسير ٦/ ١٧٧.