الباب الثامن في سبب نزول قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آل عمران ١٨١] وقوله تعالى: إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام ٩١]
روى ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وابن جرير عن السّدّيّ، وابن جرير عن عكرمة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت المدارس بعد نزول قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة ٢٤٥] فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص [بن عازوراء] وكان من علمائهم وأحبارهم. فقال أبو بكر:
ويلك يا فنحاص:«اتّق الله عز وجل وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاء كم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة» . فقال فنحاص لعنه الله:«والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرّع إليه كما يتضرّع إلينا، وإنّا عنه لأغنياء [وما هو عنّا بغنيّ] ولو كان عنّا غنيّا ما استقرض منا أموالنا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الرّبا ويعطيناه ولو كان عنّا غنيّا ما أعطانا الرّبا» . فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال:«والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك أي عدوّ الله» .
فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، انظر ما فعل بي صاحبك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:«ما حملك على ما صنعت» ؟
فقال أبو بكر: يا رسول الله [إن عدو الله] قال قولا عظيما إنه زعم أن الله عز وجل فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله ممّا قال فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص، وقال: ما قلت ذلك. فانزل الله تعالى فيما قال فنحاص [ردّا عليه] وتصديقا لأبي بكر رضي الله عنه: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ [آل عمران ١٨١] ونزل في أبي بكر الصديق، وما بلغه في ذلك في الغضب: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران ١٨٦] [ (١) ] .
وروى ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السدي في قوله تعالى: إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى [الأنعام ٩١] . قال فنحاص اليهودي: ما أنزل الله علي محمد بن شيء. قال السّدّي: والمشهور أنها نزلت في مالك بن
[ (١) ] ذكره السيوطي في الدر ٢/ ١٠٥ وعزاه لابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.