الباب الأول في الرد على من أجاز على الأنبياء- صلى الله عليهم وسلّم- الصغائر
قال القاضي: [اعلم أنّ المجوّزين للصغائر على الأنبياء من الفقهاء والمحدثين ومن شايعهم على ذلك من المتكلّمين احتجّوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث إن التزموا ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر وخرق الإجماع، وهو ما لا يقول به مسلم، فكيف وكلّ ما احتجّوا به مما اختلف المفسّرون في معناه، وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه، وجاءت أقاويل فيها للسيف بخلاف ما التزموه من ذلك، فإذا لم يكن مذهبهم إجماعا، وكان الخلاف فيما احتجّوا به قديما، وقامت الدلالة على خطأ قولهم، وصحة غيره، وجب تركه، والمصير إلى ما صحّ.
فمن ذلك قوله تعالى لنبيّنا محمد- صلى الله عليه وسلّم: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح ٢] .
وقوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد ١٩] .
وقوله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح ٢] .
وقوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة ٤٣] .
وقوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال ٦٨] .
وقوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ... [عبس ١] .
وما قصّ من قصص غيره من الأنبياء، كقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه ١٢١] .
وقوله: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف ١٩٠] .
وقوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف ٢٣] .
وقوله- عن يونس: سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء ٨٧] .
وما ذكر من قصته وقصة داود، وقوله: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ. فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص ٢٤، ٢٥] .
وقوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها [يوسف: ٢٤] وما قصّ من قصّته مع إخوته.