ابن القيّم: فيكون المعنى: ما كذّب فؤاده رؤيته، وعلى التقديرين فهو إخبار عن تطابق رؤية القلب لرؤية البصر وتوافقهما، وتصديق كل واحد منهما لصاحبه، وهذا ظاهر في قراءة التشديد. وقد استشكلها طائفة منهم المبرّد، وقال في هذه القراءة بعد، لأنه إذا رأى بقلبه فقد علمه أيضا بقلبه، وإذا وقع العلم فلا كذب معه، فإذا كان الشيء في القلب معلوما فكيف يكون معه تكذيب؟.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن الرجل قد يتخيل الشيء على خلاف ما هو به فيكذّبه قلبه، إذ يريه صورة المعلوم على خلاف ما هي عليه كما تكذبه عينه، فيقال كذبه قلبه وكذبه ظنّه وكذبته عينه، فنفى ذلك سبحانه وتعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن ما رآه الفؤاد كما رآه، كمن يرى الشيء على حقيقة ما هو به، فإنه يصح أن يقال لم تكذبه عينه.
الثاني: أن يكون الضمير في «رأى» عائد إلى الرائي لا إلى الفؤاد، ويكون المعنى: ما كذب الفؤاد ما رآه البصر، وهذا بحمد الله لا إشكال فيه، والمعنى: ما كذب الفؤاد بل صدّقه، وعلى القراءتين فالمعنى: ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير ولا اتّهم بصره» . انتهى.
اللباب تبعا للإمام الرازي:«ويجوز أن يكون فاعل «رأى» ضميرا يعود على الفؤاد [أي] لم يشك قلبه فيما رأى بعينه» . قال الزمخشري:[ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام، أي ما قال فؤاده، لما رآه: لم أعرفه ولو قال ذلك لكان كاذبا، لأنه عرفه، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق] .
فما كذب الفؤاد، هذا على قراءة التخفيف، يقال كذبه إذا قال له الكذب، وأما على قراءة التشديد فمعناه: ما قال إن الذي رآه كان خفيا لا حقيقة له. وأما الرائي فقيل هو الفؤاد كأنه تعالى قال: ما كذب الفؤاد ما رآه الفؤاد، أي لم يقل إنه جنّ أو شيطان، بل تيقّن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح. وقيل الرائي هو البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر، ولم يتدارك أن ما رآه البصر خيال. ويحتمل أن تكون «أل» للجنس أي جنس الفؤاد، ويكون المعنى: ما كذب الفؤاد ما رأى محمد صلى الله عليه وسلم، أي شهدت القلوب بصحة ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا في المرئي ما هو؟ فقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلّتا رفرف أخضر قد ملآ ما بين السماء والأرض. رواه الفريابي والترمذي وصححه. وقيل رأى الآيات العجيبة. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: رأى ربّه بفؤاده مرّتين، رواه مسلم وغيره. وسيأتي الكلام على رؤية الله تعالى في الباب الثالث.
السادس عشر: في الكلام على قوله تعالى: أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى