الأول: روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أهل البادية جاء فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك ... الحديث. فيحمل هذا على احتمال أنه كان قبل النهي عن ذلك.
الثاني: هل يجوز نداؤه صلى الله عليه وسلم بالكنية واللقب؟ قال القاضي جلال الدين ظاهر قول الشيخين يقتضي المنع بل نقول: يا نبي الله، يا رسول الله، من النداء بالكنية واللقب ولكنه محل نظر، وتقدم في الكلام على كناه من باب الأسماء ما يقتضي أنه كان يجوز النداء بالكنية، لأنه لو كان حراما لما
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» .
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يمشي بالبقيع فسمع رجلا يقول يا أبا القاسم، فرد رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول الله لم أدعك إنما دعوت فلانا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» .
فأفهم هذا جواز النداء بالكنية لأنه نهى عن التكني بها لئلا يحصل الالتفات منه صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، وأما الاسم وإن كان النداء لغيره صلى الله عليه وسلم ممكنا، إلا أن الالتفات منه صلى الله عليه وسلم لا يحصل، لأنه محرم على العباد النداء بالاسم.
[التاسعة:]
وبتحريم التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، وهو ذكر الرأي عنده، أو فعله، قبل رأيه صلى الله عليه وسلم، قال الله- تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات/ ١] لأن من قدم قوله أو فعله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قدم على الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يأمر من أمر الله، والمعنى لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به، لأن «بين اليدين» ها هنا الإمام والقدام فتضمن حمله على قدام الأمر والنهي، فقدم هنا بمعنى تقدم كما في قولهم بين وتبين وفكر وتفكر، وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ فالتقدم بين يدي نبيه، بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته لا فرق بينهما عند ذي عقل سليم.
[العاشرة:]
وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يستشفى به، كذا قاله الرافعي وهو شامل لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كدعائه ومس يده والغسل بريقه والتمسح بفضل وضوئه ونخامته وعرقه، وهذا أمر مشهور وقد تقدم بيان ذلك في المعجزات.
فإن قيل ما وجه الخصوصية في ذلك وغيره من الأولياء قد كان يستشفى بدعائه ولمس يده وبريقه وشعره وعرقه ويتبرك بذلك؟
فالجواب عن ذلك أن هذا الاستشفاء من النبي صلى الله عليه وسلم متيقن الإجابة بخلاف غيره، فإنه مظنون وقد تتخلف الخصوصية في اليقين.