للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطلب من المؤلفين والكتاب أن يفتنوا في الحديث عنها افتنان أوروبا بأساطير اليونان كي يرضوا ميول الناس إلى السذاجة ويمتعوا عواطفهم وأخيلتهم. ولكن هل يتساوى الأثران في المجتمعين (الإلياذة في المجتمع اليوناني والسيرة في المجتمع الإسلامي؟ وهل كانت السيرة يوما في التاريخ موضوعا لتسلية قصصية أو مباراة لفظية؟) .

ولم تكن السيرة يوما من الأيام وسيلة للتسلية والترفيه كما يهدف طه حسين ولكنها كانت مصدرا لابتعاث الهمم ودفع النفوس المؤمنة إلى النهوض بالمجتمعات في ضوء حياة النبي وسننه.

ولقد تحدث كثيرون عن الشبهات الواردة في (على هامش السيرة) ووصفها الأستاذ مصطفى صادق الرافعي بأنها «تهكم صريح» وقالت صحيفة الشهاب الجزائرية (ذو القعدة ١٣٥٢) الموافق ١٩٣٤ تحت عنوان: دسائس طه حسين: ألف كتابا أسماه على هامش السيرة (يعني السيرة النبوية الطاهرة) فملأه من الأساطير اليونانية الوثنية وكتب ما كتب في السيرة الكريمة على منوالها فأظهرها بمظهر الخرافات الباطلة وأساطير الخيال حتى يخيل للقارئ أنّ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلّا أسطورة من الأساطير وفي هذا من الدس والبهت ما فيه. والدكتور طه الذي كان يقول في الإسلام ما شاء ولا يبالي بالمسلمين أصبح اليوم يحسب للمسلمين حسابا فلا يكتب إلا ويقول: إنه مسلم وإنه يعظم الإسلام ولكن ما انطوى عليه صدره يأبى إلا الظهور كما بدا جليا في كتابه هذا (على هامش السيرة) .

وقال الدكتور زكي مبارك (البلاغ- يناير ١٩٣٤) : وأنا أوصي قرائي أن يقرأوا هذا الكتاب (على هامش السيرة) بروية فإن فيه نواحي مستورة من حرية العقل عرف الدكتور كيف يكتمها على الناس بعد أن راضته الأيام على إيثار الرمز على التأليف (بعد ضربة الشعر الجاهلي) آثر أسلوب الرمز لتغطية أهدافه.

وقال الدكتور هيكل في دراسة لهامش السيرة الجزء الثاني (ملحق السياسة ٢٥/ ١٢/ ٣٧) : إن اليهود لهم باع طويل في دس الإسرائيليات في الإسلام.

والحق أنني كنت أشعر أثناء قراءتي هذا الجزء الثاني من هامش السيرة وكأنما أقرأ في كتاب من كتب الأساطير اليونانية وليس فصل (نادي الشياطين) بأشد إمعانا في أدب الأسطورة من سائر فصول الكتاب وقد عرف تبعية الدكتور طه حسين لمفهوم الإسرائيليات ووجهة نظر اليهود في قضايا كثيرة مثل موقفه من عبد الله بن سبأ في كتاب الفتنة الكبرى.

[خامسا: الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:]

إن التفرقة بين (النبوة) و (العبقرية) هي من أخطر ما تعرضت له كتابات العصريين للسيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>