للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف، وإن كان كل خبر من أخبارهم الثلاثة لا يوجب العلم، ولا يقطع بصحته لعدم تواتر كل واحد منها منفردا في كل عصر.

القسم الثاني من معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين:

الأول: ما اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير، وشاع الخبر به عند المحدثين والرواة، ونقلته السير والأخبار كنبع الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلم وتكثير الطعام.

الثاني: ما لم يشتهر ولا ينتشر اختص به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير واشتهر اشتهار غيره لكنه إذا جمع إلى مثله، اتفقا في المعنى المقصود به الإعجاز، واتفقا على الإتيان بالمعجزة كما قدمنا من أنه لا مرية في جريان معانيها على يديه، وأنه إذا انضم بعضها إلى بعض أفاد القطع.

[تنبيهات]

الأول: قال ابن الصلاح- رحمه الله تعالى- في «فتاويه» : انتدب بعض العلماء لاستقصاء معجزاته صلى الله عليه وسلم فجمع منها ألف معجزة، وعددناه مقصرا إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تحصى فإنّها ليست محصورة على ما وجدناه منها في عصره صلى الله عليه وسلم بل لم تزل تتجدّد بعده صلى الله عليه وسلم علي تعاقب العصور وتتلاحق كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلين به في حربهم ومعوناتهم عقب توسلهم به في شدائد براهين له قواطع ومعجزات له سواطع لا يعدّها عادّ ولا يحصرها حاصر.

الثاني: فرق جماعة بين المعجزة والسحر والكرامة قال الإمام المازري: الفرق بينهما أنّ السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للسّاحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنّما تقع غالبا اتفاقا، أمّا المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السّحر لا يظهر إلّا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق. ونقل النووي في زيادات الروضة عن المتولي نحو ذلك، وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه، فإن كان متمسّكا بالشريعة متجنبا للموبقات فالذي يظهر على يديه من الخوارق كرامة وإلّا فهو سحر، لأنّه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين غير أنها لدقتها لا يتوصّل إليها إلا آحاد الناس، ومادّته الوقوف على خواصّ الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف/ ١١٦] مع أن حبالهم وعصيّهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا، ثم قال: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحبّ والبغض وإلقاء