«والله لوددت أنهم تركوها على حالها، ينشأ ناشئ من أهل المدينة ويقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التفاخر والتكاثر» قال معاذ: «فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمران بن أبي أنس: كان فيها أربعة أبيات بلبن، لها حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر، ذرعت الساتر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع وعظم الذراع أو أدنى من العظم. فأما ما ذكر من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في المسجد وفيه نفر من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت [ (١) ] ، وإنهم ليبكون حتى أخضلوا لحاهم من الدمع. وقال يومئذ أبو أمامة:«ليتها تركت فلم تهدم حتى يفصل الناس عن البناء ويروا ما رضي الله لنبيه صلّى الله عليه وسلم، ومفاتيح خزائن الدنيا بيده» وروى ابن سعد، والبخاري في الأدب، وابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن الحسن البصري قال:«كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي» وروى البخاري في الأدب، وابن أبي الدنيا، والبيهقي عن داود بن قيس قال:«رأيت الحجر من جريد النخل تغشّى من خارج بمسوح من الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ستّ أو سبع أذرع، وأحرز البيت من الداخل عشر أذرع، وأظنّ سمكه بين الثّمان والسّبع» .
وروى محمد بن الحسن المخزومي عن محمد بن هلال قال:«أدركت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر، مستطيرة في القبلة وفي المشرق وفي الشام، ليس في غربي المسجد منها شيء، وكان باب عائشة يواجه الشام وكان بمصراع واحد من عرعر أو ساج» . وروى ابن منده عن بشر بن صحار العبدي قال:«كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم فأنال سقفها» . وروى ابن سعد عن عمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي مرثد قالا:
«لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على بيته من حائط، فكان أول من بنى عليه جدارا عمر بن الخطاب رضي الله عنه» . قال عبيد الله:«كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير» .
[تنبيهان]
الأول: روى البخاري في تاريخه وفي الأدب عن أنس رضي الله عنه، والبيهقي في المدخل عن المغيرة بن شعبة قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير تأدبا
[ (١) ] خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ثقة. عن أبيه وأسامة بن زيد وأمّ العلاء. وعنه الزّهري وأبو الزّناد. قال ابن المديني: مات سنة مائة، وقيل: قبلها بسنة، قاله الفلّاس، ولما بلغ عمر بن عبد العزيز موته قال: ثلمة والله في الإسلام. الخلاصة ١/ ٢٧٣.