[تتمة جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة]
[الباب العشرون في غزوة بني قريظة]
تقدم في غزوة الخندق أنّهم ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله، والصّفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه وتعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ- أَي أَعانوهم- مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ- أَي حصونهم- وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً.
قال محمد بن عمر عن شيوخه: لما تفرّق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا، وقالوا: محمد يزحف إلينا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يأمر بقتالهم حتّى جاءه جبريل يأمره به.
روى الإمام أحمد والشّيخان- مختصرا- والبيهقي والحاكم في صحيحه مطوّلا عن عائشة، وأبو نعيم، والبيهقي من وجه آخر عنها، وابن عائذ عن جابر بن عبد الله، وابن سعد عن حميد بن هلال، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن الماجشون، والبيهقيّ عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وسعيد بن جبير وابن سعد عن يزيد بن الأصم، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رجع عن الخندق، والمسلمون وقد عضّهم الحصار، فرجعوا مجهودين، فوضعوا السلاح، ووضعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودخل بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه- قال ابن عقبة قد رجّل أحد شقّيه. قال محمد بن عمر:
غسل رأسه واغتسل، ودعا بالمجمرة ليتبخّر، وقد صلّى الظّهر، قالت عائشة: فسلّم علينا رجل ونحن في البيت. قال محمد بن عمر: وقف موضع الجنائز، فنادى عذيرك من محارب! فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فزعا فوثب وثبة شديدة، فخرج إليه، وقمت في أثره أنظر من خلل الباب، فإذا هو دحية الكلبيّ فيما كنت أرى- وهو ينفض الغبار عن وجهه، وهو معتمّ، وقال ابن إسحاق: معتجر بعمامة، قال الماجشون- كما رواه أبو نعيم عنها، سوداء من إستبرق، مرخ من عمامته بين كتفيه، على بغلة شهباء- وفي لفظ: فرس- عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج- قال الماجشون: أحمر- على ثناياه أثر الغبار،