بيّنته في: «الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة» .
وروى أبو الشيخ من طريق الليث قال: حدثني خالد بن سعيد قال: «بلغني أن إسرافيل مؤذّن أهل السماء يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في الأرض، إلا الجنّ والإنس، ثم يتقدم عظيم الملائكة فيصلي بهم» ، قال: «وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة بالبيت المعمور» واستدلّ بهذه الأحاديث على أن الملائكة أكثر المخلوقات، لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدّد من جنسه في كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت في هذه الأحاديث.
[التنبيه الثالث والخمسون:]
قوله: «فرفع إلى البيت المعمور»
معناه أنه أري له. وقد يحتمل أن يكون المراد الرفع والرؤية معا، لأنه قد يكون بينه وبين البيت عوالم حتى لا يقدر على إدراكه، فرفع إليه وأمدّ في بصره وبصيرته حتى رآه، ويحتمل أن تكون تلك العوالم التي كانت بينه وبين البيت المعمور أزيلت حتى أدركه بصره. وقد يحتمل أن يكون العالم بقي على حاله والبيت على حاله، وأمدّ في بصره وبصيرته حتى أدركه وعاينه، والقدرة صالحة للكلّ، يشهد لذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع إلى بيت المقدس على ما سيأتي فيه» ،
والتأويل فيه كالتأويل في البيت المعمور.
وأكثر الروايات: «رفعت إلى سدرة المنتهى» ، بضم الراء وسكون العين وضم التاء من «رفعت» ، وبعده حرف الجرّ. ولبعضهم «ورفعت» بفتح العين وسكون التاء، أي «السدرة لي» باللام أي من أجلي، ويجمع بين الروايتين بأن المراد أنه رفع إليها أي ارتقي بها فظهرت له والرّفع إلى الشيء يطلق على التقريب منه.
[التنبيه الرابع والخمسون:]
وجه مناسبة المعراج الثامن إلى سدرة المنتهى لما اشتملت عليه السنة الثامنة من الهجرة. إن السنة الثامنة اشتملت على فتح مكة، ومكة، أمّ القرى وإليها المنتهى ومنها المبتدأ، على ما ورد أن الأرض كلها دحيت [ (١) ] من مكة، فلذلك سمّيت أم القرى، أو هي أمّ القرى لأن أهل القرى يرجعون إليها في الدين والدنيا حجّا واعتمارا وجوارا وكسبا واتجارا قال الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ [المائدة:
٩٧] أي تقوم بأبدانهم وأديانهم. وقال تعالى لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج ٢٨] قيل هي الأجر والتجارات في الموسم. فبين سدرة المنتهى وأم القرى من المناسبة ما لا يخفى، إذ سدرة المنتهى ينتهي إليها علم الخلائق، ومكة ينتهي إليها أهل الآفاق شرقا وغربا وفيها يكون الاجتماع. فكان بلوغه إلى سدرة المنتهى تنبيها على بلوغه إلى فتح مكة أم القرى في العام
[ (١) ] الدّحو: البسط، والمدحوّات: الأرضون. يقال: دحا يدحو ويدحى: أي بسط ووسّع. انظر النّهاية لابن الأثير ٢/ ١٠٦.