للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الرابع في وفد أزد شنوءة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم

روى ابن سعد رحمه اللَّه تعالى عن منير بن عبد اللَّه الأزدي قال: قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صرد بن عبد اللَّه الأزدي في وفد من الأزد بضعة عشر رجلا، فنزلوا على فروة بن عمرو فحباهم وأكرمهم وأقاموا عنده عشرة أيام فأسلموا، وكان صرد أفضلهم، فأمّره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بهم من يليه من أهل الشّرك من قبائل اليمن. فخرج صرد يسير بأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة حصينة مغلقة، وبها قبائل من اليمن قد تحصّنوا بها، وقد ضوت إليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم. فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا، فحاصرهم شهرا أو قريبا منه، وكان يغير على مواشيهم فيأخذها. ثم تنحّى عنهم إلى جبل يقال له شكر فظنّوا أنه قد انهزم، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه.

فصفّ صفوفه فحمل عليهم هو والمسلمون فوضعوا سيوفهم فيهم حيث شاءوا وأخذوا من خيلهم عشرين فرسا. فقاتلوهم عليها نهارا طويلا.

وقد كان أهل جرش بعثوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلين منهم يرتادان وينظران. فبينما هما عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشيّة بعد العصر إذ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بأي بلاد اللَّه شكر» ؟ فقال الجرشيّان: يا رسول اللَّه ببلادنا جبل يقال له كشر بذلم يسمّيه أهل جرش. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ليس بكشر ولكنه شكر» . قالا:

فما شأنه يا رسول اللَّه؟ قال: «إنّ بدن اللَّه لتنحر عنده الآن» . وأخبرهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بملتقاهم وظفر صرد بهم. فجلس الرجلان إلى أبي بكر وعثمان رضي اللَّه عنهما فقالا لهما:

ويحكما أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لينعي لكما قومكما فقوما إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلاه أن يدعو اللَّه أن يرفع عن قومكما. فقاما إليه فسألاه أن يدعو اللَّه أن يرفع عنهم، فقال: «اللهم ارفع عنهم» .

فخرجا من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد اللَّه في اليوم الذي قال فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر.

قال ابن سعد: فقصّا على قومهما [القصّة] فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسلموا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «مرحبا بكم أحسن النّاس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة، أنتم مني وأنا منكم» .

وجعل شعارهم مبرورا وأحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس والراحلة [وللمثيرة] بقرة الحرث، فمن رعاه من الناس فماله سحت [ (١) ] .


[ (١) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٥/ ٣٧٢- ٣٧٣ وابن هشام في سيرته ٤/ ١٩٧.