القرآن لا يحصي عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجزوا عنها قال أهل العلم: وأقصر سور القرآن إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر/ ١] لأنها ثلاث آيات حروفها أقل من حروف آيات سورة هي ثلاث مثل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ ١] وكل آية منه طويلة بعدد آياتها كلمات وحروفا أو آيات منه بعددها آيات وحروفا كلمات معجزة لا تتعارض موازاة ومداناة ثم في سورة الكوثر نفسها معجزات على ما سنفصله فيما اشتمل عليه القرآن من المعجزات التي فاقت الحصر.
[الفصل الرابع]
قال القاضي- رحمه الله تعالى- أيضا: معجزاته صلى الله عليه وسلم علي قسمين.
الأول: ما علم قطعا، ونقل إلينا متواترا كالقرآن فلا مرية ولا خلاف في مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به وظهوره من قبله واستدلاله به على ثبوت نبوته صلى الله عليه وسلم وكونه رسولا إلى الناس كافة ونحو ذلك، وإن أنكر مجيئه به وظهوره من قبله واستدلاله به معاند حائر عن منهج القصد باغ يردّ الحق مع علمه جاحد له منكر، فإنكاره كإنكاره وجود محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وإنما جاء اعتراض الجاحدين في كونه حجة صلى الله عليه وسلم كما ورد في كونه كلام الله إذ قالوا:«أساطير الأوّلين»«ما أنزل على بشر من شيء»«هذا سحر مبين» فالقرآن في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة، وكما شهدت به الأعداء كالوليد بن المغيرة، إذ قال حين تلي عليه منه: إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أسفله مغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو من كلام البشر. ووجه إعجازه معلوم ضرورة بجزالة لفظه، وفخامة تأليفه، وبلوغه أقصى درجات مراتب البلاغة والفصاحة وحسن التئام كلماته ونظم آياته وبراعة إيجازه وغرابة فنونه وفصاحة وجوه فواتحه وخواتمه، فلا يحتاج العلم به إلى دليل.
قال بعض الأئمة- رحمهم الله تعالى-: ويجري هذا القسم من معجزاته الذي علم قطعا ونقل إلينا متواترا أنه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغ واحد منها معيّنا القطع فيبلغه جميعها، فلا مرية في جريان جميع معانيها على يديه صلى الله عليه وسلم ناطقة بصدقه شاهدة بنبوته، ولا يختلف مؤمن ولا كافر أنه قد جرت على يديه صلى الله عليه وسلم عجائب، وإنما صدر خلاف المعاند في كون العجائب فائضة من قبل الله تعالى من حيث أن ذلك المعجز مع التّحدّي من النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة قوله تعالى: يا عبدي، صدقت فيما تدّعيه من الرّسالة! فقد علم وقوع مثل هذا من نبينا صلى الله عليه وسلم ضرورة لاتّفاق معانيها في كونها خوارق عادات مفحم من تصدّى لمعارضتها كما يعلم ضرورة جود حاتم الطائي وشجاعة عنترة العبسي وحلم أحنف بن قيس- رضي الله تعالى عنه- لاتّفاق الأخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم