قامت هذه المدرسة على إنكار الغيب والمعجزات في آن وإنكار الوحي والنبوة في آن آخر، وحاولت أن تفسر الإسلام وسيرة الرسول تفسيرا ماديا وجرت في خضوع منكسر وراء العقلية الأوروبية وتحت لواء ما زعموه من المنهج العلمي الحديث، وكانت هذه المدرسة رد فعل أثاره الانبهار والشعور بالضعف لدى طائفة من المسلمين ترى أن تتابع الأوروبيين في فهم الدين والعقيدة.
ولكن سرعان ما تكشفت هذه النزعة وسقطت وجهتها، وبرزت كتابات مدرسة الأصالة التي أنكرت هذا الأسلوب الفلسفي المادي، وأقامت مفاهيمها على الأساس القرآني الأصيل. وظهرت تلك الكتابات بأقلام حسن البنا ومحمد الغزالي وسعيد رمضان البوطي وأبو الحسن الندوي وكثيرون غيرهم فردت إلى السيرة النبوية وأعادت تقدير جانب معجزة الوحي الإلهي والغيبيات والمعجزات.
وقد جاءت كتابات مدرسة الأصالة في السيرة النبوية مصححة لأغلاط كثيرين ممن كتبوا عن السيرة في هذا العصر وأماطت اللثام عن المغالطات التي كانت ولا تزال تدسها أقلام كثير من المستشرقين والتغريبيين وهي أغلاط ومغالطات قامت لتغذيتها وترويجها مدرسة التبعية.
إنّ هذه المدرسة لم تعد تخدم إلا قلة من بقايا المفتونين باسمها وإنّ الحقائق الناصعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ستظل هي المشرقة والسائدة.
وليس أدل على ذلك من هذه المؤتمرات للسيرة التي حشدت عشرات من الأعلام للكشف عن الجوانب المختلفة في حياة هذا النبي الكريم الذي هدى البشرية إلى طريقها وأخرجها من الظلمات إلى النور.
[حال العالم في القرن العاشر الهجري]
يمتد القرن العاشر الهجري من سنة ١٤٩٦ م إلى سنة ١٥٩١ م، وكانت الدولة العثمانية التركية أقوى دولة إسلامية فيه، وكان على رأسها في أوله السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح، وكان ملكا محبا للسلم، فوقفت هذه الدولة في عهده عند فتوح أبيه، وقد خرج عليه ابنه سليم الأول، فانضمّ إليه جيش الانكشارية، فترك له الحكم سنة ٩١٨ هـ ١٥١٢ م، فقام السلطان سليم بعد أبيه بالحكم، وابتدأه بقتال الطامعين فيه من إخوته وأبنائهم إلى أن قضى عليهم، ثم توجه إلى قتال الشاه إسماعيل مؤسس الدول الصفوية بفارس، وكان