غطّى بظلامه أو سكن ما وَدَّعَكَ تركك يا محمد رَبُّكَ وَما قَلى ما بغضك، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ لما فيها من الكرامات مِنَ الْأُولى الدنيا وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلا فَتَرْضى به.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار» .
وإلى هنا تمّ جواب القسم بمثبتين بعد منفيّين.
أَلَمْ يَجِدْكَ استفهام تقريري أي وجدك يَتِيماً بفقد أبيك قبل ولادتك فَآوى بأن ضمك إلى عمك أبي طالب وَوَجَدَكَ ضَالًّا عما أنت عليه من الشريعة فَهَدى أي هداك إليها وَوَجَدَكَ عائِلًا أي فقيرا فَأَغْنى بما قنَّعك به من الغنيمة وغيرها. وفي الحديث: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» .
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ بأخذ ماله أو غير ذلك وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ تزجره لفقره وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ عليك بالنبوة وغيرها فَحَدِّثْ أخبر. وحذف ضميره صلى اللَّه عليه وسلم في بعض الأفعال لذكره أولا، رعاية للفواصل.
[تنبيهات]
الأول: قال الحافظ: فترة الوحي عبارة عن تأخرّه مدة من الزمان، وليس المراد بفترته بين نزول اقْرَأْ وأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ عدم مجيء جبريل إليه بل تأخر نزول الوحي فقط.
قلت: وفيه نظر، لما سبق أول الباب عن ابن عباس والزهري.
الثاني: الحكمة في فترة الوحي- واللَّه أعلم- ليذهب عنه ما كان يجده صلى اللَّه عليه وسلّم من الرّوع وليحصل له التشوق إلى العود.
الثالث: اختلف في مقدار مدة الفترة: فقال السّهيلي: جاء في بعض الأحاديث المسندة أنها كانت سنتين ونصف سنة. قال في «الزّهر» : ويخدش فيه ما ذكره ابن عباس في تفسيره أنها كانت أربعين يوما وفي تفسير ابن الجوزي ومعاني الزجّاج والفرّاء: خمسة عشر يوما. وفي تفسير مقاتل: ثلاثة أيام. ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه لا ما ذكر السهيلي واحتج لصحته.
وقال الحافظ فما رأيته بخطه في الفتح: وهذا الذي اعتمده السهيلي لا يثبت وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس: أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما. قال: وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير، إن شاء اللَّه تعالى.
قلت: راجعت كتاب التعبير من نسخة بغير خطه فألفيته قال: قوله: «وفتر الوحي» تقدم القول في مدة هذه الفترة في أول الكتاب. انتهى فليراجع خطه، فعله يكون الحق ذلك في