للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نسخته بعد.

الرابع: وقع في بعض النسخ القديمة من الفتح وتبعه الشيخ وشيخنا القسطلاني في شرحيهما أن الإمام أحمد روى في تاريخه عن الشعبي أن فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وأن ابن إسحاق جزم بذلك.

قلت: وهذا وهم بلا شك، وعزو ذلك لجزم ابن إسحاق أشدّ، وكأنَّ الحافظ قلّد في ذلك ولم يراجع التاريخ المذكور، فإن الموجود فيه وفي الطبقات لابن سعد ودلائل البيهقي عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسان، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة.

الخامس: قال الحافظ ابن كثير في البداية: قال بعضهم: كانت الفترة قريبا من سنتين أو سنتين ونصف والظاهر واللَّه أعلم أنها المدة التي اقترن معه ميكائيل كما قال الشّعبي وغيره، ولا ينفي هذا تقدّم إيحاء جبريل إليه أولا: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ثم حصلت الفترة التي اقترن معه ميكائيل، ثم اقترن به جبريل بعد نزول: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ثم حمي الوحي بعد هذا وتتابع.

قلت: الثابت عن الشّعبي إنما هو إسرافيل كما تقدم لا ميكائيل، وإن كان ابن التّين جزم به، ولتتأمل عبارة الشّعبي إن كانت تفهم ما قال أنه الظاهر.

السادس:

روى البخاري في بدء الوحي وتفسير سورة اقرأ من طريق ابن شهاب: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يحدث عن فترة الوحي: قال في حديثه: بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء ...

وذكر الحديث.

وفي تفسير سورة المزمّل من طريق علي بن المبارك، ومن طريق حرب بن شدّاد، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، قال سالت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أيّ القرآن أنزل أول؟

فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فقلت: أنبئت أنه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال جابر: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت»

فذكر الحديث السابق.

قال الحافظ: رواية الزّهري تدل على أن المراد بالأوّلية في قوله: أول ما نزل سورة المدثر. أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مخصوصة بالإنذار، لا أن المراد بها أوّلية مطلقة، وإنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال عروة بكذا. أي بحديث عائشة في بدء الوحي ونزول سورة اقرأ.