للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال الحافظ: ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة فإنها دالة على تقدم شيء عطفته، ودلّ

قوله: «عن فترة الوحي» وقوله: «الملك الذي جاءني بحراء»

على تأخر نزول يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ عن اقْرَأْ.

ولمّا خلت رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر، عن هاتين الجملتين أشكل الأمر فجزم من جزم بأن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أول ما نزل. ورواية الزهري هذه الصحيحة ترفع ذلك الإشكال.

وقال في التفسير: والمشكل من رواية يحيى

قوله: «جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت» إلى أن قال: «فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء، يعني جبريل، فأتيت خديجة فقلت: «دثّروني»

ويزيل الإشكال أحد أمرين: إما أن يكون سقط على يحيى أو شيخه من القصة مجيء جبريل بحراء ب اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وسائر ما ذكرته عائشة. وإما أن يكون جاور صلى الله عليه وسلّم بحراء شهرا آخر، ففي مرسل عبيد بن عمير عند البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجاور في كل سنة شهرا وهو رمضان، وكان ذلك في مدة فترة الوحي، فعاد إليه جبريل بعد انقضاء جواره.

وقال الحافظ أيضا: فكأن من قال من أول ما نزل اقرأ أراد أولية مطلقة ومن قال يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أراد بقيد التصريح بالإرسال.

وقال الكرماني: استخرج جابر أن أول ما نزل يا أيها المدثر باجتهاده وليس هو من روايته، والصحيح ما وقع في حديث عائشة.

السابع: قال عطاء الخراساني: إن سورة المزمل نزلت قبل سورة المدثر.

قال الحافظ: عطاء ضعيف وروايته معضلة. وظاهر الأحاديث الصحيحة تأخر المزمّل لأن فيها ذكر قيام الليل وغير ذلك مما تراخى عند ابتداء الوحي، بخلاف المدثر فإن فيها قُمْ فَأَنْذِرْ.

وقال في موضع آخر: يعرف من اتحاد الحديثين في نزول يا أيها المدثر عقيب

قوله: «دثّروني» و «زمّلوني»

أن المراد بزملوني دثروني، ولا يؤخذ من ذلك نزول يا أيها المزمل حينئذ، لأن نزول يا أيها المزمل تأخر عن نزول يا أيها المدثر بالاتفاق، لأن أول يا أيها المدثر الأمر بالإنذار، وذلك أول ما بعث، وأول المزمّل الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن، فيقتضي تقدم نزول كثير من القرآن قبل ذلك.

الثامن: هذا القدر الذي نزل من المدثر فيه محصّل ما يتعلق بالرسالة.

ففي الآية الأولى المؤانسة بالحالة التي هو عليها من التدثّر، إعلاما بعظم قدره وتقدم في اسمه «المدّثر» و «المزمل» زيادة لذلك. فراجعه.