قال الله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة ٩١] .
قال أهل التفسير: معناه: إذا كانوا مخلصين في أفعالهم وأقوالهم، مسلمين في السّر والعلانية.
روى مسلم وأبو داود عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الدّين النّصيحة، إنّ الدّين النّصيحة إنّ الدّين النّصيحة. قيل: لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» .
[قال القاضي: قال أئمّتنا أي: من المالكيّة: النّصيحة لله ورسوله وأئمّة المسلمين وعامّتهم واجبة] [ (١) ] ، وقال الإمام أبو سليمان البستيّ حمد الخطابي: النصيحة كلمة يعبّر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبّر عنها بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها، ومعناها في اللغة: الإخلاص من قولهم نصحت العسل إذا خلّصته من شمعه بنار لطيفة، وقال أبو بكر بن أبي إسحاق الخفّاف: - بخاء معجمة، بفاءين، أولاهما مشددة بينهما ألف- النصح فعل الشيء الذي به الصلاح والملاءمة، مأخوذ من النّصاح- بنون مكسورة وصاد مهملة مفتوحة وألف وحاء مهملة-، وهو الخيط الذي يخاط به الثوب، فنصيحة الله تعالى الإيمان به، وصحة الاعتقاد له بالوحدانية، ووصفه بما هو أهله، بدون إلحاد في صفاته، وتنزيهه عما لا يجوز عليه ولا يليق به ممّا يوهم نقصا والبعد من جميع ما يسخطه ولا يرضاه، والإخلاص في عبادته، بأن تفرده بالقصد من غير شرك ولا رياء.
والنّصيحة لكتابه الإيمان به: أي التصديق بأن كلام الله تعالى بما اشتمل عليه من أحكام ومواعظ وأمثال (وعموم) ، والعمل بما فيه من المحكم والتسليم للمتشابه، والتّخشّع عند تحسين تلاوته والتعظيم له، والتّفقّه في معانيه، والذّبّ عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين.
والنّصيحة لرسوله التصديق بنبوّته، وبذل الطّاعة له فيما أمر به ونهى عنه وقال الخفاف:
نصيحة الرسول- صلى الله عليه وسلّم- موازرته ونصرته وحمايته حيّا وميّتا، وإحياء سنّته بالعمل بها والذّبّ عنها، ونشرها، والتّخلّق بأخلافه الكريمة وآدابه الجميلة، وقال أبو إبراهيم إسحاق التّجيبي