فإن قيل: ما الجواب عن قوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل/ ١٦] ، وقوله- تبارك وتعالى- حكاية عن زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي [مريم/ ٥، ٦] ، وعموم قوله تقدس اسمه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء/ ١١] ، فالجواب أن يقال: المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين لا المال.
ويؤيد ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء»
وأما: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء/ ١١] فهي عامة لمن ترك شيئا كان يملكه، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته، فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث، وعلى تقدير أنه خلف شيئا فما كان ملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه أنه لا يورث، فحص من عموم المخاطبين وهم الأمة.
[الثالثة عشرة:]
وبأنه ضحى عن أمته، وليس لأحد بأن يضحي عن أحد بغير إذنه.
روى الحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا أقرن بالمصلى ثم قال: «اللهم، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي» .
[الرابعة عشرة:]
وبأن له أن يقضي بعلم نفسه، ولو في الحدود وفي غيره خلاف.
روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، أن أبا سفيان رجل مسيك، فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال: «لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف» .
وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالبها بالبينة على الزوجية، لأنه علم أنها زوجته، فحكم بأخذ النفقة من ماله بالمعروف [ (١) ] .
وهذا هو القضاء بالعلم، ذكر ذلك البخاري وابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم.
[الخامسة عشرة:]
وبأن يحكم بغير دعوى، ولا يجوز ذلك لغيره.
قاله ابن دحية، واستدل بما
روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يتهم بأم إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «اذهب فاضرب عنقه» ، فأتاه علي، فإذا هو في ركن يتبرد فيها، فقال له، علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوب، ليس له ذكر فكف علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! إنه لمجبوب ما له ذكر.
وقد ورد تسمية هذا مأثورا، والذي كان يتهم بها مارية فقال الناس: علج يدخل على علجة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتله.
[ (١) ] سقط في ح.