للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم.]

قال داود بن الحصين، فيما رواه ابن سعد وابن عساكر، وابن إسحاق فيما رواه البيهقي وغيره: فشب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يكلؤه اللَّه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعايبها، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما. ما رئي ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع اللَّه فيه من الأمور الصالحة.

وذكر أبو هاشم محمد بن ظفر في «خير البشر بخير البشر» : حج أكثم بن صيفي حكيم العرب، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم في سن الحلم، فرآه أكثم فقال لأبي طالب: ما أسرع ما شب أخوك. فقال ليس بأخي ولكنه ابن أخي عبد الله. فقال أكثم أهو ابن الذبيحين؟ قال: نعم.

فجعل يتوسمه ثم قال لأبي طالب ما تظنون به؟ قال: نحسن به الظن وإنه لوفي سخي. قال؟

هل غير هذا؟ قال: نعم إنه لذو شدة ولين ومجلس ركين وفضل متين. قال فهل غير هذا؟ قال:

أنا لنتيمن بمشهده ونتعرف البركة فيما لمسه بيده. فقال أكثم: أقول غير هذا إنه ليضرب العرب قامطة- يعني جامعة- بيد حائطة ورجل لائطة ثم ينعق بهم إلى مرتع مريع وورد سريع فمن اخرورط إليه هداه ومن احروف عنه أرداه.

وروى ابن سعد عن الربيع بن خثيم [ (١) ] قال: كان يتحاكم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام.

قال ابن إسحاق: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحدث عما كان اللَّه يحفظه في صغره من أمر الجاهلية وأنه قال: لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الصبيان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره وجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم وأدبر إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: شد عليك إزارك. قال: فأخذته فشددته علي ثم جعلت أنقل الحجارة علي رقبتي وإزاري على من بين أصحابي.


[ (١) ] الربيع بن خثيم الثوري من بني ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ومات بالكوفة في ولاية عبيد الله بن زياد طبقات ابن سعد ٦/ ٢١٩] .