قوله: «مسجدا» يعني موضع سجوده، وهو وضع الجبهة على الأرض، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويحتمل أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز القرآن، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد، قال الخطابي والقاضي:
من كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده
رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد، بلفظ: «وكان مما قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم»
وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث
ابن عباس رضي الله عنه نحو حديث جابر وفيه: «ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه» .
[الرابعة:]
وبالوضوء في أحد القولين، وهو الأصح، فلم يكن إلا للأنبياء دون أممهم، وبه جزم الحليمي رحمه الله تعالى، واستدل له
بحديث الصحيحين «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء»
ورد بأن الذي اختصت به الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، كيف، وفي الحديث:
«هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» .
قال الحافظ: والجواب إن هذا الحديث ضعيف، وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة.
قال الشيخ: هذا الاحتمال قد ورد ما يؤيده فقد تقدم في باب ذكره في التوراة والإنجيل في صفة أمته صلى الله عليه وسلم يوضئون أطرافهم رواه أبو نعيم عن ابن مسعود مرفوعا والدارمي عن كعب الأحبار والبيهقي عن وهب: «افترضت عليهم أن يتطهروا في كل صلاة، كما افترضت على الأنبياء» .
ثم رأيت
الطبراني روى في الأوسط بسند فيه ابن لهيعة عن بريدة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ واحدة واحدة، ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به» ثم توضأ مرتين مرتين فقال: «هذا وضوء الأمم قبلكم» ، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» .
وفي هذا تصريح بكون الوضوء للأمم السابقة، نعم فيه خصوصية لنا عنهم وهو التثليث كما كان للأنبياء، ويرشد إلى ذلك قول ابن سراقة: خصوا بكمال الوضوء.
قلت: الصحيح بخلاف ما صححه الشيخ في الصغرى، وخلاف احتمال الحافظ، ففي البخاري في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر، أن سارة لما هم الملك بأن يدنو منها، قامت تتوضأ، وفي قصة جريج فيه أيضاً أنه قام فتوضأ ثم كلم الغلام.
وروى الإمام أحمد من طريق زيد العمي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من