للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانثنى عنه وفي أوداجه ... جارضٌ أمسك منه بالكظم [ (١) ]

نحن آل الله في بلدته ... لم نزل فيها على عهد إبرهم

أشار عبد المطلب إلى قصه تبّع، وخلاصتها- كما ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى وغيره: أن تبّعاً لما توجه راجعاً لبلاده أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر فقالوا له:

أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟ قال: بلى. قالوا: بيتٌ بمكة. وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك، لما عرفوا من هلاك من أراده بسوء وبغى عنده. فراح تبّع وهو مجمع لهدم البيت فبعث الله تعالى عليهم ريحاً فعقفت يديه ورجليه وشنجت جسده، فأرسل إلى من كان معه من يهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني. فقالوا: أحدثت شيئاً. فقال: ما أحدثت؟ فقالوا: حدثت نفسك بشيء. قال:

نعم. فذكر ما أجمع عليه من هدم البيت وإصابة ما فيه. قالوا: ذاك بيت الله الحرام ومن أراده هلك. قال: ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدّث نفسك أن تطوف به وتكسوه وتعظمه. فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله تعالى، فسار حتى دخل مكة فطافه وسعى بين الصفا والمروة وحلق رأسه، وأقام بمكة ستة أيام ينحر فيها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل.

وأري في المنام أن يكسوه فكساه الخصف، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل. وذكر القصة.

[تنبيهات]

الأول: أكثر الآثار على أن الحجارة كانت أكبر من العدسة ودون الحمصة، وفي بعضها أنها كانت أكبر من ذلك، فكأنها والله تعالى أعلم كان فيها الكبير والصغير، فحدّث كلّ راءٍ بما رأى أو سمع.

الثاني: إن قيل: قد وقع في زمن يزيد بن معاوية لما أرسل الحصين بن نمير السكونيّ [ (٢) ] فنصب المنجنيق على أبي قبيس وغيره من جبال الكعبة ورمى الكعبة وكسر الحجر الأسود واحترقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها، إلى غير ذلك.

فالجواب: إنما لم يمنعوا لأن الدعوة قد تمت والكلمة قد بلغت والحجّة قد ثبتت فأخّر


[ (١) ] الكظم: مخرج النفس من الحلق يقال: أخذ بكظمه جمعه أكظام وكظام، المعجم الوسيط ٢/ ٧٩٠.
[ (٢) ] الحصين بن نمير بن نائل، أبو عبد الرحمن الكنديّ ثم السكوني: قائد، من القساة الأشدّاء، المقدمين في العصر الأموي. من أهل حمص. وهو الذي حاصر عبد الله بن الزبير بمكة ورمى الكعبة بالمنجنيق. وكان في آخر أمره على ميمنة عبيد الله بن زياد في حربه مع إبراهيم بن الأشتر، فقتل مع ابن زياد على مقربة من الموصل. توفي سنة ٦٧ هـ.
الأعلام ٢/ ٢٦٢.