[الباب السادس عشر في غزوة بدر الموعد]
وسببها إن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد ما بيننا وبينكم بدر الصّفراء، رأس الحول، نلتقي فيها فنقتتل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: قل:
نعم إن شاء الله، فافترق الناس على ذلك، ورجعت قريش فخبّروا من قبلهم بالموعد.
وكانت بدر الصفراء مجمعا للعرب، وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان ليال خلون منه، فإذا مضت ثمان ليال تفرق الناس إلى بلادهم.
فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبّ ألا يوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم الموعد، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع، وتسير في العرب، فيهاب المسلمون ذلك.
وقدم نعيم بن مسعود الأشجعيّ مكة- وأسلم بعد ذلك- فبصّر أبا سفيان وقريشا بتهيّؤ المسلمين لحربهم. وكان عام جدب، فأعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتلّ بجدب الأرض، وجعل لنعيم عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذّل المسلمين عن المسير لموعده، وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى أرعب المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوبهم، ولم يبق لهم نيّة في الخروج، واستبشر المنافقون واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خشي ألّا يخرج معه أحد، وجاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد سمعا ما سمعا، وقالا: يا رسول الله أن الله تعالى مظهر دينه، ومعزّ نبيّه، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحبّ أن نتخلّف عنه، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم
قال: والذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد.
فنصر الله تعالى المسلمين، وأذهب عنهم ما كان الشيطان رعّبهم.
[ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه]
استخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله ابن أبي ابن سلول فيما قاله ابن إسحاق.
وقال محمد بن عمر: استخلف عبد الله بن رواحة.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ألف وخمسمائة، فيهم عدّة أفراس، فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بكر، وفرس لعمر بن الخطاب، وفرس لأبي قتادة، وفرس لسعيد بن زيد، وفرس للمقداد بن الأسود، وفرس للحباب بن المنذر، وفرس للزبير بن العوام، وفرس لعبّاد بن بشر.