لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية، كلمت بنو نفاثة وبنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم بالرّجال والسّلاح على عدوّهم من خزاعة، وذكّروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأر أولئك النّفر الذين أصابوا منهم في بني الأسود بن رزن، وناشدوهم بأرحامهم، وأخبروهم بدخولهم في عقدهم وعدم الإسلام، ودخول خزاعة في عقد محمد وعهده، فوجدوا القوم إلى ذلك سراعا، ألا إن أبا سفيان بن حرب لم يشاور في ذلك ولم يعلم، ويقال إنهم ذاكروه فأبى ذلك، فأعانوا بالسّلاح والكراع والرّجال، ودسّوا ذلك سرا لئلّا تحذر خزاعة، وخزاعة آمنون غارون لحال الموادعة، ولما حجز الإسلام بينهم.
ثم اتّعدت قريش وبنو بكر وبنو نفاثة الوتير، وهو موضع أسفل مكة، وهو منازل خزاعة فوافوا للميعاد فيهم رجال من قريش من كبارهم متنكرون منتقبون، صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان- وأسلموا بعد ذلك- ومكرز بن حفص، وأجلبوا معهم أرقاءهم، ورأس بني بكر نوفل بن معاوية الدّئلي- وأسلم بعد ذلك- فبيّتوا خزاعة ليلا وهم غارون آمنون- وعامّتهم صبيان ونساء وضعفاء الرّجال، فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهوا إلى أنصاب الحرم، فقال أصحاب نوفل بن معاوية له: يا نوفل إلهك إلهك قد دخلت الحرم! فقال: كلمة عظيمة، لا إله لي اليوم، يا بني بكر، لعمري إنكم لتسرقون الحاج في الحرم، أفلا تدركون ثأركم من عدوكم، ولا يتأخر أحد منكم بعد يومه عن ثأره؟! فلمّا انتهت خزاعة إلى الحرم دخلت دار بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع الخزاعيين، وانتهوا بهم في عماية الصّبح، ودخلت رؤساء قريش منازلهم وهم يظّنون أنهم لا يعرفون، وأنه لا يبلغ هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصبحت خزاعة مقتّلين على باب بديل ورافع.
وقال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث: قد رأيت الّذي صنعنا بك وبأصحابك ومن قتلت من القوم، وأنت قد حصدتهم تريد قتل من بقي، وهذا ما لا نطاوعك عليه، فاتركهم فتركهم، فخرجوا وندمت قريش، وندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذّمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجاء الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة إلى صفوان بن أمية، وإلى سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل فلاموهم بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة- وقالوا: إنّ بينكم وبين محمد مدّة وهذا نقض لها.
ذكر إعلامه- صلّى الله عليه وسلم- بما حصل لخزاعة يوم أصيبوا
روى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير:«يا عائشة: لقد حدث في خزاعة أمر» فقالت عائشة: يا