قال القاضي:«وهذه الرواية لم تقع لنا، ولا رأيتها في أصل من الأصول، ومحال أن تكون ذاته تعالى نورا، إذا النور جسم يتعالى الله عز وجل عنه، ومن ثمّ كانت تسميته نورا بمعنى ذي النور أو خالقه. وفي الحديث الآخر:
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت نورا» .
وليس يمكن الاحتجاج بواحد منهما لإفصاحهما بأنه لم يره، فإن كان الصحيح «رأيت نورا» ، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم ير الله تعالى، وإنما رأى نورا منعه وحجبه عن رؤية الله تعالى. وإلى قوله:«رأيت نورا» يرجع قوله: «نور أنّى أراه» ، أي كيف أراه مع كون حجابه النور المغشّي للبصر، وهذا الحديث مثل الحديث الآخر من حيث المعنى: حجابه النور، كما رواه مسلم وغيره. وقال أيضاً في الإكمال: وقف بعض مشايخنا في هذا. وقال: ليس هذا عليه دليل واضح، ولكنه جائز، ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة.
[ذكر أدلة القول الأول]
زاد الشيخان وعبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وغيرهم عن مسروق، زاد عبد الرزاق ومن بعده عنه، قال: لقي ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شيء فقال ابن عباس:
إنّا بنو هاشم نزعم، وفي لفظ نقول: أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربّه مرّتين. فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال. ثم قال:«إن الله قسّم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليهما السلام [فكلّم موسى مرتين] ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين» . ثم اتفقوا. قال مسروق: فدخلت على عائشة فقلت يا أمتاه، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قفّ شعري بما قلت، أين أنت من ثلاث من حدّثكهنّ فقد كذب، وفي لفظ: فقد أعظم على الله الفرية، من حدّثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب وفي لفظ فقد أعظم على الله الفرية، ثم قرأت لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٠٣] ، وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: ٥١] ، ومن حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، وفي لفظ: فقد أعظم على الله الفرية، ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً [لقمان: ٣٤] ومن حدّثك أنه قد كتم فقد كذب، وفي لفظ فقد أعظم على الله الفرية، ثم قرأت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة: ٦٧] ولكنه رأى جبريل في صورته مرّتين.. زاد
الإمام أحمد ومسلم قال ومسروق: وكنت متكئا فجلست فقلت: ألم يقل الله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣] . إن أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال:«لا، إنما رأيت جبريل منهبطا» .
وروى الإمام أحمد عن طريق همام، ومسلم عن طريق معاذ بن هشام عن أبيه، ومن طريق يزيد بن إبراهيم، ثلاثتهم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت: لأبي ذر: لو رأيت