رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى قيل: يا رسول الله، وهل نكلم الموتى؟ قال: «نعم» .
قال السبكيّ: حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدّنيا ويشهد له صلاة موسى في قبره، فإن الصلاة تستدعي جسدا جيّدا، وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلّهم صفات الأجسام ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشّراب، وأما الحركات كالعلم والسّماع فلا شكّ أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى، وأما العقل، فلأن الحبس عن النطق في بعض الأوقات فيه نوع حصر وتعذيب، ولهذا عذب به تارك الوصيّة والنبي- صلى الله عليه وسلم- منزه عن ذلك، ولا يلحقه بعد وفاته حصر أصلا بوجه من الوجوه كما
قال لفاطمة- رضي الله تعالى عنها-: في مرض وفاته «لا كرب على أبيك بعد اليوم»
وإذا كان الشهداء وسائر المؤمنين من أمته إلا من استثنى من المعذّبين لا يحصرون بالمنع من النّطق فكيف به- صلى الله عليه وسلم-.
[فائدة:]
لفظ: الحديث الذي سقناه لفظ البيهقي.
ولفظ: أبي داود «إلا رد الله علي» .
قال الشيخ: ورواية البيهقي ألطف وأنسب، فإنّ بين التّعديتين فرقا لطيفا فإنّ رد يعدّى ب «على» في الإهانة وب «إلى» في الإكرام.
قال في «الصحاح» : ردّ عليه الشّيء إذا لم يقبله، وكذا إذا خطأه وتقول: ردّه إلى منزله وردّ إليه جوابا أي رجع.
وقال الراغب: من الأول قوله تعالى: يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمران: ١٤٩] وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا [الأنعام: ٧١] ومن الثاني: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ [القصص: ١٣] وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [الكهف: ٣٦] ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [التوبة: ٩٤] ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام: ٦٢] .
وذكر الشيخ- رحمه الله تعالى- أجوبة كثيرا فليراجعها من أرادها من فتاويه.
قلت: وأقوى الأجوبة الأول ونكتته الثالث والرابع.
الثالث: لا يقال: لو كان النبي- صلى الله عليه وسلم- حيّا في قبره دائما لزم كونه محصورا في القبر أو مسجونا فيه لأنّا نقول: قد ورد أن المؤمن يفسح له في قبره كمدّ البصر فكيف بالنبي- صلى الله عليه وسلم-.
الرابع: إن قيل: فإذا كانوا أحياء قد أحياهم الله تعالى بعد موتهم فيلزم من ذلك أنهم