للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب السابع والعشرون في غزوة الفتح الأعظم الذي أعز الله تعالى به دينه ورسوله وجنده وحرمه الأمين]

وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا، وكان في شهر رمضان سنة ثمان. قال ابن عباس- رضي الله عنهما- غزا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غزوة الفتح في رمضان.

قال الزّهري: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك، رواه البخاري [ (١) ] .

[ذكر الأسباب الموجبة للمسير إلى مكة]

كانت خزاعة في الجاهلية أصابوا رجلا من بني الحضرميّ واسمه مالك بن عبّاد، وحلف الحضرميّ يومئذ إلى الأسود بن رزن، خرج تاجرا، فلمّا توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فمر رجل من خزاعة على بني الدّيل بعد ذلك فقتلوه، فوقعت الحرب بينهم، فمرّ بنو الأسود بن رزن. وهم ذؤيب، وسلمى، وكلثوم على خزاعة فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم، وكان قوم الأسود منخر بني كنانة يودون في الجاهلية ديتين لفضلهم في بني بكر، ونودى دية، فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فحجز بالإسلام بينهم، وتشاغل الناس به- وهم علي ما هم عليه من العداوة في أنفسهم- فلمّا كان صلح الحديبية بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين قريش، ووقع الشّرط «ومن أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش فليدخل» فدخلت خزاعة في عقد رسول- صلى الله عليه وسلم- وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذلك عارفا، ولقد جاءته خزاعة يومئذ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه أبي بن كعب- رضي الله عنه- وهو: «باسمك اللهمّ، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي، غائبهم مقرّ بما قاضى عليه شاهدهم، إنّ بيننا وبينكم عهود الله وعقوده، وما لا ينسى أبدا، اليد واحدة، والنصر واحد ما أشرف ثبير، وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة ولا يزداد فيما بيننا وبينكم ألا تجددا أبد الدهر سرمدا» .

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما أعرفني بخلقكم وأنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف! فكلّ حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلّا شدة ولا حلف في الإسلام»

[ (٢) ] .


[ (١) ] أخرجه البخاري ٧/ ٥٩٥ (٤٢٧٥) .
[ (٢) ] انظر فتح الباري ٧/ ٥٩٢.